الحياة الدنيا، وتتلمس اليد حرمات لم تُبَحْ لها، وتزلُّ القدم فتمشي يقودها قلبُ صاحبها الأسير إلى حيث يستغرق في التيه والغفلة، كل هذا يرفع رصيد السيئات عند هؤلاء الغافلين، لكنْ الله الرحيم بعباده يُنزل على العصاة سياطَ اليقظة، التي ظاهرها ابتلاء وباطنها فيه الرحمة، فيذكرهم بالمنبهات القوية إلى أن تحيي واحدةٌ منها جذوة الإيمان في القلب من جديد، ثم ما تلبث مواسم الإيمان أن تجدّد الصلة بين العبد وربه من خلال خصوصيتها وموسميتها وفيوضات الرحمة النازلة فيها، ثم يأتي تتويج تلك المواسم بما سميناه ميزان العمر فتملأ مناسك الركن الخامس الرَّحبَ بأنوارها كعروس تطلُّ على المدعوّين بأبهى حلة.
في قمة هرم العبادات في الإسلام يعوّض الله العصاة الذين كانوا إلى وقت قريب تائهين فيمحو عنهم آثامهم، ويزيد في رصيد حسناتهم، بعد أن اغتسل الجميع في بحر التطهير الإلهي هذا.
ومن هناك تبدأ رحلة العودة مع الله، فهل بعد الحج من ساحة تنتهز فيها فرص النجاة بعقد العزم على إبرام صلح صادق تزول فيه الجفوة بين العبد ومولاه؟
وهل يليق بالمسلم أن يتباطأ في الأخذ بنداء الله العلوي في أمثال هذه المواسم:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(١)[المائدة: ٤٨].
والحج الذي تقف فريضته في المستوى الرابع في ترتيب شعائر الإسلام الكبرى هو رحلة جهاد حقيقي في سبيل الله عزَّ وجلَّ، يودّع فيها المسلم أحبابه في وطنه مهاجراً إلى ربه صوب وادٍ غير ذي زرع، شديد الحرارة، قليل الماء، كثير الجبال الجرداء، شديد