انغمس بجوارحه وعواطفه في أكبر المغتسلات الإسلامية تطهيراً (١) يركل بقدميه كل الإغراءات التي بُسطت بسخاء بين يديه، وهو الذي ذاق في رحلة الحج طعم الإيمان الحقيقي، فرضي بالله ربَّاً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن الكريم إماماً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - قدوة ونبياً ورسولاً.
وبهذا أتاح الإسلام لأبنائه منافذ لتطهير أنفسهم مما علق بها من رواسب الذنوب، وفي مقدمة ذلك ما فتحه على المسلمين من أبواب الخير تحت سقف الرحمة الإلهية المسدلة عليهم فوق جنبات بيت الله الحرام بما يتجاوز التقصير، ويعفو عن الرذائل، إيذاناً بولادة جديدة لضيوف الرحمن، لا عهد لهم بها من قبل.
هذه النعمة تستبطن رحمةً أخرى تهدف إليها الحكمة الإلهية، من خلال جعل فريضة الحج، وسائر المغتسلات الإسلامية تقاوم رصيد السيئات في سجل العبد المؤمن، الذي ينزلق إليها بدافع الضعف الذي جبلت عليه بشريته، فتراه ينساق في بعض الظروف لحاجات مادة الطين التي منها خلق، والتي لا تخلو من كدر، فيلبي شهوات جسدية محرَّمة تدعوه إليها شهوتا الفرج والبطن على الخصوص، فيسيل لعاب جوارح هذا الكائن الإنساني الضعيف، التي تستجيب لصدى تلك الدعوات التي يشتهي القلب بريقها ويتمنى فتركن الأُذن لسماع ما لم يأذن به الله، وتمدّ العين بصرها إلى حق غيرها من زهرة
(١) لدينا في الإسلام مغتسلات إسلامية للتطهير لكنها ليست مادية كالأنهار والبحيرات، غير أنها أشدُّ تطهيراً منها، فهناك المغتسل اليومي وهو الصلوات الخمس مغتسل اليوم وميزانه، وهناك الجمعة مغتسل الأسبوع وميزانه، وهناك رمضان مغتسل العام وميزانه، وهناك الحج مغتسل العمر وميزانه، وهو أكثر المغتسلات نفعاً وحيوية في الإسلام؛ لأنه إلى جانب طاقاته الإيمانية المتفجرة فيه، تؤدّى فيه الصلوات الخمس في المسجد الحرام الذي تتضاعف فيه الحسنات إلى مائة ألف ضعف، كما تؤدّى فيه صلاة الجمعة، ويمر في حرمه الآمن في غير الحج رمضان بنفحاته الخاصة، وحضوره المتميز في قلوب الأمة.