وجه الصحابيين الجليلين علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري لدى وصولهما إلى ميقات الحج من جهة اليمن كل في وقته الخاص به.
وهنا يفعلان دون ترتيب أو تنسيق بينهما فعلاً واحداً في مشهد لا يجوز لنا أن نمرّ به دون أن نحمل منه في جعبتنا العديد من العبر:
إن أي مسلم صادق في إسلامه لا ترنو عيناه إلى أفضل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقتدي به في كل جزئية من تفصيلات حياته اليومية فكيف إذا كان الشأن مرتبطاً بنسك الركن الخامس الذي يؤديه المسلمون لأول مرة بعد أن افترضه الله عليهم في السنة التاسعة للهجرة لكنهما لا يدريان ما أهلّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس ثمة وسائل اتصال، فيُهلّ كل واحد منهما - وهو لم ير الآخر ولم يستشره ولم يلتق به - بإهلالٍ كإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بوسع الزمن الذي يفصلهم عن مكة أن يخبرهم أخيراً بالنبأ اليقين، فما أعظمها من لوحة ساحرة، وما أرسخها من رابطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟ وكم هي شامخة صادقة تلك النفوس التي تستطيع بالعقيدة أن تتحكم بدوافع الهوى بداخلها، وتمسك بدفة قيادة نفوسها ثم تسير وفق منهج الاتّباع السليم.
لم يعلما فلم يختارا إفراداً أو تمتعاً أو قراناً!
لم يعلما فسلَّما لإهلالٍ لم يدركا كنهه بدافع الاتّباع الصحيح مع أنهما لم يكونا على موعد مع بعضهما لا في الميقات ولا في مكة لكنه الحب الخالص من شوائب الأغراض والمصالح الدنيوية المستند إلى القناعة الكاملة والإيمان المطلق بشخص القائد النبي الذي لا ينطق عن الهوى وهو ما هيمن على الصحابة الكرام فملكوا به كل ما يدور في فلك هذا الوجود المحيط بهم حتى نفوسهم، فاستحقوا بذلك أن تدين لهم الدنيا والعروش بعد أن تحرروا بالإيمان من عبودية ما سوى الله.