ثمرة البحث عنده أن السيدة عائشة أحرمت بالحج أولاً تماشياً مع فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، وهو ما تؤيده روايات الأكثرين عنها، ويدعمه المنطق؛ لأن الصحب الكرام خرجوا مع نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في أشهر الحج لأجل الحج بدليل قول عائشة:"لا نذكر إلّا الحج"، وفي أخرى:"لا نرى إلّا الحج" وهذا هو البدهي في حق قوم يتشرفون بأنهم أبناء الحرم، ولولا الهجرة في سبيل الله التي أرغموا عليها فراراً بدينهم لما كان عندهم بديل عن مكة البتة، وأما الأنصار فهم من أبناء الجزيرة العربية المجاورين للحرم نسبياً، والمعظمين لحرمته، شأنهم شأن سائر العرب حتى قبل بزوغ فجر الإسلام، فالفريقان مشتاقون إلى لقاء الله في بيته الحرام، وإلى لقاء الكعبة في حضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأهل والأمن ومظلة الإسلام، ثم إنّ الزمان هو ساحة لتحرك لواعج الشوق والحنين إلى بيتٍ جُعِلَ مثابة للناس وأمناً، وجعل لهم جوار عزّ وبركة وتشريف.
الأهم من هذا كله أن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أحرم بالحج وأن العمرة ما كان لها رصيد آنذاك في رحلتهم؛ لأنها عندهم يومها من أفحش العمل!
فالسيدة عائشة رضي الله عنها كانت فرداً في ركب النور هذا الذي ينوي الحج اقتداء بمُعلّمه ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، لذلك كان إهلالها بالحج مُفرِدَةً به إحرام أكثر رواد هذه القافلة اتّباعاً والتصاقاً بقائدها صلوات الله وسلامه عليه.
المنعطف الأول في فوج محمد - صلى الله عليه وسلم - هذا هو اطّلاع النبي المربي على عادة ذميمة أقلقته؛ لأنها من رواسب الجاهلية يوم كانوا يمتنعون عن العمرة في أشهر الحج، ويرون أنها من أفجر الفجور بتحريض من قريش الحريصة على أن تبقى مكة موئلاً للزوّار لئلا تنقطع تجارتهم وعطاياهم فيها! لذلك عالج أمين القافلة الحكيم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هذا الخلل