للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستعصي في النفوس بدعوة من لم يسق الهدي إلى فسخ حجّه إلى عمرة بينما أدخل صلوات الله عليه العمرة على الحج؛ لأنه ساق الهدي، ومن فعل ذلك فلا فسخ في حقه حتى يبلغ الهدي محله (١).

بناء على ما ذكرت لا يستبعد أن يكون عروة قد أخبر عن عائشة بما كان من إهلالها آخر الأمر وهو العمرة استجابة منها لأمين هذه القافلة ونبيِّ هذه الأمة - صلى الله عليه وسلم - وبذلك لا يجوز لنا تضعيف قول عروة فقد ذكر عن خالته ما انتهى إليه أمرها دون أن يذكر مبتدأه.

إن إحرام السيدة عائشة بالعمرة استمر حتى اقتراب أُمنّا الصّدّيقة من مكة المكرمة، وحينئذ حاضت في مكان يقال له: سَرِفُ أو قريباً منه. ويبدو أنها حسبت هناك عادتها الشهرية والأيام التي تفصلها عن يوم عرفة فأيقنت أنها لن تدرك الوقوف فيه حاجّة؛ لأنها محرمة بعمرة وعليها أن تنتظر طهرها للتحلل منها، فأخذت تبكي، وتقسم بالله قائلة: "لَوَدِدْتُ أني لم أكن خرجت العام" وهو الحوار الذي ألقته على مسامعنا بتمامه الرواية السادسة في هذا المبحث (٢).

يؤيد هذا التوجيه ما طلعت علينا به الروايات الثانية والرابعة والسابعة:


(١) في اجتهادي هذا دليل قوي للشافعية الذين ذهبوا إلى أن الإفراد بالحج أفضل من التمتع والقران؛ لأن كلاً منهما يتضمن العمرة في أشهر الحج، وهي في الموروث الجاهلي في تلك الأشهر من أفجر العمل، فكيف يحرمون بما هو فاحشة في رحلة الفضيلة الأسمى. إذن ما كان من السيدة عائشة ولا من غيرها أول الأمر إلّا الإحرام بالحج، ولا شيء سوى الحج، ثم طرأ ما سردته على مسامعكم فحدثت الانعطافة في رحلة كل حاج وفق ما ساق من هدي أوْ لا تبعاً ليساره أو عُسْره ..
(٢) في الرواية السابعة بتمامها عند مسلم قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما يبكيك؟ قالت: قلت سمعت كلامك مع أصحابك فسمعت بالعمرة قال: وما لك؟ قلت: "لا أصلي" قال: "فلا يضرك، فكوني في حجك فعسى الله أن يرزقكيها ... ".

<<  <   >  >>