للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جريح أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: يا أبا عبد الرحمن: رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها. قال: ما هنّ يا ابن جريج؟ قال رأيتك لا تمسّ من الأركان إلّا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السِّبْتيّة (١)، ورأيتك تصُبغُ بالصُّفرة (٢)، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تُهلل أنت حتى يكون يوم التروية.

فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أرَ رسول لله - صلى الله عليه وسلم - يمس إلّا اليمانيين، وأما النّعال السِّبْتيّة فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن أفعل ذلك، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغُ بها فأنا أحب أن أصبُغَ بها، وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُهلّ حتى تنبعث به راحلته (٣) " (٤).


(١) السِّبْتية بكسر السين وسكون الباء من السِّبْتِ وهو الجلد المدبوغ أي هي نعال سود مدبوغة لا شعر فيها كما هو صريح كلام ابن عمر في سياق الحديث والتخصيص بالسبتية؛ لأن بعض النعال كانت غير مدبوغة؛ ولأن بعض المدبوغات كان يبقى فيها الشعر. وهي أي المدبوغة، كانت تُعْمَلُ بالطائف وغيره وكان يلبسها أهل الرفاهية قال الهروي: سميت بذلك؛ لأنها انْسَبَتَتْ بالدباغ أي لانت يقال: رطبة منسبتة أي لينة. اُنظر صحيح مسلم ج ٨ ص ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٢) قوله "تصبُغُ" بضم الباء وفتحها لغتان مشهورتان والمراد بها صبغ الثياب، وقد نقل القاضي عن أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - كان "يصبغ" بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته وذكر أنّ هذا هو أظهر الوجهين، وأن القول الآخر هو ما رواه أيضا أبو داود في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصفّر لحيته. اُنظر نفس المرجع والجزء ص ٢٧٠.
(٣) قال الإمام النووي وأما فقه المسألة فقال المازري: أجابه ابن عمر بضربٍ من القياس حيث لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسألة بعينها فاستدل بما في معناه.
ووجه قياسه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أحرم عند الشروع في أفعال الحج والذهاب إليه فأخّر ابن عمر الإحرام إلى حال شروعه في الحج وتوجهه إليه وهو يوم التروية فإنهم حينئذ يخرجون من مكة إلى منى ووافق ابن عمر هذا الشافعي وأصحابه وبعض أصحاب مالك وغيرهم وقال آخرون: الأفضل أن يحرم في أوّل ذي الحجة ونقله القاضي عن أكثر الصحابة والعلماء، والخلاف في الاستحباب، وكل منهما جائز بالإجماع والله أعلم.". اُنظر نفس المرجع والجزء ص ٢٧٠ - ٢٧١.
(٤) صحيح مسلم برقم (١١٨٧/ ٢٥) وانظر السنن الكبرى للبيهقي برقم (٩٥٢١).

<<  <   >  >>