ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تُسأَلون عنّي فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلّغْتَ وأدّيتَ ونصحتَ فقال: بإصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء ويَنْكُتُها إلى الناس: اللهم! اشهد اللهم! اشهد ثلاث مرات":
الخطبة في فريضة الحج إلى بيت الله الحرام وسيلة إعلامية نافعة يُقْبِلُ بها الإمام على جموع المحتشدين في سفوح عرفات ووادي منى والبيت الحرام في مكة يخاطب بها عقولاً تألقت في هذا الجمع العظيم، وقلوباً ارتوت من جرعات العبودية في أودية المتهجدين، وخَلْقاً تعاهدوا في صعيد تلك المواطن المباركة على حمل أمانة العقيدة ورسالة الشريعة وثقافة الأمة.
وعندما يكون الخطيب هو صفي الله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعندما يكون الوافدون عليه هم أصحابه الكرام البررة، وعندما تؤدى الخطبة في الأرض التي شهدت وفود الأنبياء والمرسلين عليها من كل فج عميق، واجتماع الملائكة حولهم، وعندما تجسد الرحلة في اجتماعاتها وخطبها امتداداً لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم بأمر من ربه سبحانه وتعالى، وعندما تقع تلك الكلمات في حجة الوداع التي ظهرت فيها أمارات الاقتراب المحتوم من الرفيق الأعلى بعد أن تكاملت الرسالة وأوشكت المهمة أن تنتهي، وعندما يأتي هذا كله في سياق حرب شعواء على موروثات جاهلية فاسدة طويت صفحتها في موسم العطاء هذا، وعندما يؤذّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس أنه حاج إلى بيت الله الحرام (١) ولايبقى ذلك طي الكتمان، ولا يعتمد فيه أسلوب التغطية كما اشتهر عنه في تسيير
(١) لا بل إنه من أجل ماسقته بين يديك أذّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حاج إلى بيت الله الحرام، ومن أجل ذلك أقبل الناس إليه من كل حدب وصوب، وإنّها لفرصتهم الفريدة لمجاورته - صلى الله عليه وسلم - أياماً طويلة يتعلمون فيها ما فاتهم ويتشرفون ببركة الصحبة واللقاء ونور النبوة، لاسيما من آمن منهم خارج المدينة المنورة.