للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السرايا والغزوات، وعندما لا يبقى للمسلمين شيء لم يتعلموه من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بعد ركن الصلاة وشهر الصيام وأمر الزكاة وقضايا العبادات والمعاملات سوى ما يتعلق بمناسك الحج من واجبات وفروض وآداب.

عندما تلتقي هذه الخطوط متضافرة في زمان عرفات وعلى تخوم الموقف العظيم في وادي عرنة فلا جرم أنها بيعة ومنهج يرسم رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من خلاله مسيرة أمة ستُسَلَّم زمام الأمانة، وها هو هنا يلقيها على أعناقها يخاطب في هؤلاء الخاشعين المتضرعين الأجيال المقبلة متوجّاً ثلاثة وعشرين عاماً من سنيّ الجهاد والمصابرة والاحتساب في سبيل الله حتى أثمرت تبدلاً في الفكر والثقافة على خلفية تبديل المعتقد؛ فإذا بأعداء الأمس المتربصين به وبدعوته الدوائر هم الرجال الصادقون الذين يملؤون السهل والجبل ولا تحيط بهم الأبصار وهم حملة الراية واللواء، وعليهم تبنى آمال الأمة في تثبيت بنيانها ووصول كلمتها في الحق للعالمين.

وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يجلس على منبر ناقته القصواء يلقي خطابه المودّع الجامع، وراح المحتشدون يتلقون كل كلمة تفد عليهم من فمه العطر ينصت معهم الوجود كله لما يتلى على مسامعهم من وحي النبوة:

"أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً":

إنها كلمات الوداع التي لا يقال فيها إلّا المهم من الأمر، وإنه الحشد الذي يضم وفوداً من كافة القبائل العربية والإسلامية وشتى فجاج الجزيرة العربية وما حولها فلا يأتي معه النبي الرحيم الذي يلمح بالرحيل إلّا بما يجول في خَلَده من أبرز ما يشغل باله.

وينصت الكون كله بعد هذا التنبيه فإذا ببصمة القدرة الإلهية تحضر بقوة في خطبة

<<  <   >  >>