الوداع، وكأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى المستقبل المشرق بتفصيلاته، ويرى المنزلقات التي ستتنكّب فيها جماعات من المسلمين مُغَرِّدين خارج السرب تائهين عن المنهج الإسلامي الذي ترسم ملامحه، وتضبط إيقاعه حجة الوداع وخطبة الوداع في مبادئ إسلامية يحرم على العاملين في حقل الدعوة والجهاد أن يُعرضوا عنها أو ينشغلوا عن الدراسة فيها؛ لأنها ستحدد خريطة العلاقات الإسلامية الصحيحة في العالم كله والإعراض عنها سيحدد خريطة التعامل باسم الإسلام زوراً وبهتاناً مع المحيط الإنساني العربي والإسلامي والعالمي وستنزلق بسبب ذلك أقدام وأقلام.
وإليك هذه المبادئ:
المبدأ الأول:"ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع":
فالجاهلية الأولى بكل عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الباطلة التي أفسدت العقيدة والمشروع الحضاري لبني الإنسان قد أُزْهِقَتْ رُوْحُها وانتهت أيامها وها هي ذا مدفونة كالجيفة النتنة تحت قدمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يعمد إلى نبش قذرها باسم الانفتاح والحرية أو التجديد أو العولمة أو الحداثة أو تجديد الخطاب الديني إلّا جاهل بما هي عليه، حريص على طمس معالم الضياء الإسلامي بعد سطوعه، مأجور لمن يسعى لإقصاء العين الصحيحة بالعور، لم يحمل أمانة ولا يذكر بيعة ولايدري عن أمته التي ينتمي إليها شيئاً، وهو متنكب عن جادة قوله تعالى في أجواء حجة الوداع الصحية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣]. قال أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حول هذا القرار النبوي الجازم: "فما المعنى الذي تتضمنه صيغة هذا القرار؟ .. إنه يقول: إنّ ما كانت الجاهلية تفخر