وتتمسك به من تقاليد العصبية والقبلية وفوارق اللغة والأنساب والعرق واستعباد الإنسان أخاه بأغلال الظلم والمراباة قد بطل أمره، ومات اعتباره، فهو اليوم جيفة منتنة غيّبها شريعة الله في باطن الأرض وأصبح مكانها في حياة المسلم اليوم تحت الأقدام.
إنه رجس ولّى وعماهة أدبرت وغاشية بادت.
فمنذا الذي يرجع بعد ذلك لينبش التراب عن الجيفة النتنة فيعانقها! وأيّ عاقل يتقمم الأدران التي تخلص منها ليتمسح ثانية بها؟ وأيُّ أبيٍّ يعمد إلى القيد الذي كسره البارحة وألقاه ليصلحه ويعود فيتقيّد به اليوم.
أرجاس من تقاليد الجاهلية أبعدها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن منطلق الإنسانية وتقدمها الفكري والحضاري وأعلن أنها عادت حثالة مدفونة تحت قدميه كي يثبت للدنيا كلها ويسجل على مسمع القرون والأجيال أنه ما من تائه يزعم التقدم الفكري إذ يعمد فينبش شيئاً من هذا الدفين القديم إلّا وهو يرجع القهقرى يسبح في أغوار قصيّة من التاريخ المظلم القديم وإن خَيّلَ إليه وهمه أنه أنّما يتقدم صعداً ويخطو مترقياً" (١).
المبدأ الثاني: "دماء الجاهلية موضوعة، وإنّ أول دم أضع من دمائنا دمُ ابن ربيعة بن الحارث":
هذا المبدأ يقرر حرمة الإنسان في دمه وماله وعرضه وأن حرمته تتطاول في العلياء لتقف جنباً إلى جنب مع أعظم الحرمات الإسلامية قدسية من البيت الحرام إلى الشهر الحرام إلى اليوم الحرام وهوما افتتح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبته.
(١) اُنظر فقه السيرة النبوية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في القسم السادس فصل في حجة الوداع وخطبتها ص ٤٨٢ - ٤٨٣.