هذه الحرمة سِيَّانِ فيها المسلم والكافر، والسيرة النبوية خير ناطق بما أقول اللهم إلّا أن ينابذنا الكافر العداء ويناصب أمتنا الإيذاء ويعلن البغضاء فنحن أمام رد عدوانه لا خيار لنا، لكننا ونحن نقاتله فإنما نفعل ذلك لأجل اعتدائه لا لكفره.
لكن لماذا خص خطابُ الوداع المسلم دون الكافر في حرمة الدم والمال وليس في هؤلاء يومئذ من نشب بينه وبين أخيه نزاع أو قتال وهم الذين ذوب الإسلام ما بينهم من حواجز وأبعد ما يقطع شرائحم من روابط؟ .
هنا تتجلى المعجزة الباهرة وهنا تتألق الخطبة في توجهها الذي يتعدى الحاضرين إلى الأجيال القادمة التي ستمر وفودها فوق هذا الصعيد، وإذا بصدى تلك الكلمات يتردد في جنبات المكان، وإذا بالتحذير من داء مستطير وشر خطير يشهد له القفر والجبل والحجر والمَدَر وتشهد به أفواج الوافدين إلى رحاب الله كل عام تقيم الحجة على من تنكب عن منهج السماء وتاه عن ضوابط الشريعة الغرّاء، وضاع عن قبس الوحي الإلهي الذي أشهد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكون كله إنسَه وجنّه وملائكته وجماده كلهم كان يصغي بأنس لما يلقى على مسامعه من كلام النبوة، ويعلن تبرأه من أقوام يأتون بعده يرون في قتل المسلم قربة إلى الله وجهاداً!
يأخذون أمتهم بالتهمة، ويقطعون رؤوسهم بالجملة، ويخلطون بين جهاد لا نزاع فيه وباطل لا خير فيه! يتباهون بتصاعد أعداد القتلى على أيديهم من المسلمين وكأنها دماء شياه وهل نستنكر ذبح الشياه!
يصنعون هذا وعدو الأمة الحقيقي ورأس الإرهاب العالمي جاثم بغلظة فوق صدر الأسيرة المقدسة فلسطين ومسجدها القدسي مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاصمتها قبلة المسلمين الأولى لا يلتفتون إليها وهم بمنأى عن واجب استعادتها بعد أن أحالوا