للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى وبيص الطيب في مَفْرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم" (١).

في هذه اللفتة دعوة إلى الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تقديسه لفريضة الركن الخامس وتعظيمه لشعائرها وتحريضه ضيوف الرحمن على صيانة حرمتها حتى ينالوا ثواب الحج المبرور والذي لا يكون كذلك إلّا بهذا لكن المتأمل لحج المسلمين اليوم يجد بين شرائح منهم انتهاكاً صارخاً لحدود الله وحرماته واستهانة جلية بأعماله ومواضعه وما ذلك إلّا بسبب التقصير في تهيئة الحجيج لهذه الفريضة تعليماً وتذكيراً وهذا من عموم تقصير المسلمين في حقوق الله وشعائره التي قال الباري عز وجل فيها: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)} [الحج: ٣٢].

وخير من نبه إلى ذلك وحذر منه الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كلام نفيس له حين قال: "لم يُقَدّره حقّ قدره من هان عليه أمره فعصاه ونهيه فارتكبه وحقُّه فضيّعه، وذِكْره فأهمله، وغفل قلبه عنه وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق


(١) صحيح مسلم برقم (١١٩٠/ ٣٩) وفي نفس الرواية: "وذاك طيب إحرامه". "ومعنى وبيص الطيب أي بريقه ولمعانه. أقول: ومن مظاهر تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - لشعائر الحج ومناسكه تعظيمه الذي مر معنا لزمان النسك ومكانه حين قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" وحين قال: "إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر ثم يوم القرّ" أبو داود برقم (١٧٦٥).
ويوم القرّ هو اليوم التالي ليوم النحر وسمي بذلك؛ لأن الناس يَقِرّون فيه بمنى.
كما يتجلى تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهلَ الإسلام وهي أيام أكل وشرب" الترمذي برقم (٧٧٣) وقال حسن صحيح، وأبو داود برقم (٢٤١٩).
ومن تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - دعوته المطلقة للتقوى في فريضة الحج وأنها خير زاد في هذه الرحلة، وذلك من خلال قوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقٌ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٧)}. [البقرة: ١٩٧].

<<  <   >  >>