للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عالية في يوم من أيام دهر الله لا تأتي بهذه الصورة في العام كله إلّا مرة واحدة لذلك ينبغي لك أيها الحاج هناك أن تقف حاضر القلب فارغ الذهن من الشواغل الدنيوية التي يندب في حقك أن تقضيها قبل الزوال لتكون مستعداً بباطنك وظاهرك عن جميع العلائق متفرغاً لنداء ربك ودعاء مولاك مستفرغاً وسعك بين يديه في بحار العبودية مناجياً وسائلاً وداعياً (١) وملبياً (٢) ومكبراً ومهللاً وذاكراً وتالياً للقرآن ومصلياً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مظهراً التذلل والفقر ويداك إلى صدرك كالمستطعم المسكين في موقف قيوم السموات والأرض (٣) في أنموذج مصغر للمحشر حين يقوم الناس في عرصات يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً ثم يتوَّج أهل الخير في الجنة ويساق أهل العصيان إلى النار.

فاملأ ساحة وقتك قائماً وقاعداً كالنحلة ترتشف من رحيق شتى الأزهار، فتارة اذكر، وتارة هلِّلْ، وتارة كبر، وتارة صلّ على نبيك وحبيبك وقدوتك - صلى الله عليه وسلم -، وتارة استغفر، وأعلنها توبة، وتارة لبِّ، افعل ذلك حال انفرادك عن إخوانك وحال اجتماعك بهم (٤) اغتنم كل لحظة في وقوف الحشر الأصغر هذا واعلم أن الحج كله يفوت إن فات الوقوف فيه، وأن ثواب الحج في خطر عظيم إن خرج أحد من صعيد الموقف ولم ينل


(١) قال الإمام النووي: ولا يتكلف السجع في الدعاء ولا بأس بالدعاء المسجوع إذا كان محفوظاً أو قاله بلا تكلف ولا فكر فيه، بل يجري على لسانه بغير تكلف لترتيبه وإعرابه وغير ذلك مما يشغل قلبه. ويستحب أن يخفض صوته في الدعاء ويكره الإفراط في رفع الصوت. اُنظر الحاشية لابن حجر على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٢٠.
(٢) قال الإمام النووي: يستحب أن يكثر من التلبية رافعاً بها صوته. نفس المرجع ص ٣٢١.
(٣) روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى برقم (٩٥٥٨) عن عكرمة عن ابن عباس قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين". قال الإمام النووي: "ويرفع يديه في الدعاء ولا يجاوز بهما رأسه". اُنظر نفس المرجع ص ٣٢٠.
(٤) هذا ما نص عليه الإمام النووي حين قال: "وينبغي أن يأتي بهذه الأنواع كلها فتارة يدعو وتارة يهلل ... ". اُنظر نفس المرجع ص ٣٢١.

<<  <   >  >>