للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال المهلب: "إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء عليهم لئلا يجحفوا بأنفسهم مع بعد المسافة" (١).

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني: "فبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن تكلف الإسراع في السير ليس من البر أي مما يتقرب به" (٢).

ولبيان هذه المعاني الرائعة مجتمعة قال أسامة عن هيئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فما يزال يسير على هيئته تلك حتى أتى جمعاً (٣).

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان ولا يزال مضرب المثل في الذوق الرفيع الذي تشد إليه أبصار صحبه وأمته والإنسانية جمعاء فإنه في سيره إلى المزدلفة كان كعادته في كل الأمور وسيطاً فلم يكن يطلق لناقته القصواء العنان ولم يكن يمشي بطيئاً؛ لأن الطريق طويل والوظائف في مناسك الحج تتوالى لذلك جاء سيره بين الإسراع والإبطاء بما عرف بسير العَنَقِ إلّا إذا وجد متسعاً أو فرجة فإنه يزيد من سرعته بما يسميه العرب نصّاً.

ويبدو لي أن سيره - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عادياً وإنما فوقه بسرعة معتدلة لا تخدش وقار الحاج الراكب بدليل قول إمامنا النووي في العنق والنص: وهما نوعان من إسراع السير وفي العنق نوع من الرفق.

وفي هذا دعوة إلى حجاج بيت الله الحرام عامة ولسائقي الحافلات خاصة أن يراعوا لهذه الشعيرة هيئتها وحرمتها، وأن لا يغتروا بمزيد إسراع أو جرأة اقتحام لزحمة الجموع فالعبرة هي بمن غفر ذنبه، وستر عيبه، وعُفي عن ذلته، وفتحت له أبواب


(١) نفس المرجع والصفحة.
(٢) نفس المرجع والصفحة.
(٣) صحيح مسلم برقم (١٢٨٦/ ٢٨٢).

<<  <   >  >>