للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يؤيد هذا ما رواه البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "سئل أسامة وأنا جالس كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العَنَقَ فإذا وجد فجوة نصّ" (١). ورواه مالك بلفظ "فرجة".

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن لأمته أن الفضيلة ليست في الإيضاع الذي هو الإسراع في السير، وأن ذلك لا يعد من البر الذي يتقرب به الحاج إلى ربه، وإنما الرأفة بأنفسهم وجموعهم ودوابهم هو أحد تلك القربات، وأن اتباع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو قربة أخرى، أما الوقار في أداء العبادة بعد أن ملئت القلوب خشية من الله في نهار موقف عرفات، وها هي تلك القلوب ترنو إلى غنيمة أخرى ترفد زاد أفئدة مؤمنة في موقف ليل مزدلفة فهذه قربة ثالثة، فأنى لمن هذا شأنه أن يخرج عن أدب السكينة والوقار إلى خُلُق المزاحمة والايذاء والطيش الذي تأباه مائدة عرفات وبوابة مزدلفة وصفاء ليل المشعر الحرام؛ لذلك قال عمر بن عبد العزيز لما خطب بعرفة: "ليس السابق من سبق بعيره وفرسه لكن السابق من غفر له" (٢).


(١) الحديث من رواية البخاري برقم (١٦٦٦) ولفظه في باب: السير "إذا دفع من عرفة، ومن رواية مسلم برقم (١٢٨٦/ ٢٨٢). قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار ج ٥ ص ٧٥: "العَنَقُ بفتح المهملة والنون وهو السير الذي بين الإبطاء والإسراع. وفي المشارق أنه سير سهل في سرعة". وقال في فتح االباري ج ٥ ص ٦٥٤. "وقيل المشي الذي يتحرك به عُنُق الدابة. وفي الفائق: العَنَق: الخطو الفسيح. وانتصب العَنَق على المصدر المؤكد من لفظ الفعل أما النص فهو فوق العَنَق كما قال النووي الذي أضاف: "وهما نوعان من إسراع السير، وفي العنق نوع من الرفق". اُنظر صحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ ص ٤١١ وقال العلامة ابن حجر العسقلاني في قوله: نصّ أي أسرع" ثم قال: "قال أبو عبيد: النص تحريك الدابة حتى يستخرج به أقصى ما عندها ـ أي من السرعة" ـ ثم قال: وأصل النص غاية المشي ومنه نصصت الشيء رفعته ثم استعمل في ضرب سريع من السير". اُنظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ج ٣ ص ٦٥٤.
(٢) نفس المرجع ص ٦٦٠.

<<  <   >  >>