للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقبل يذكر الله ويعظمه ويهلله ويمجده حتى ينتهي إلى المزدلفة" (١).

إن موقف جمع هو موقف عظيم يجمع بين قداسة الحرم المكي الذي تقع المزدلفة داخل حدوده، وقداسة الزمان الذي يمتد برواقه على سائر ليلة النحر، وقداسة الجمع المبارك الذي يضم ضيوف الرحمن ووفد الأرض إلى بيت ملك الملوك، وقداسة الاتّباع بما في ذلك من تهليل وتكبير ودعاء وتلبية يتوجه بها الحاج إلى ربه بفؤاد شفاف نظيف بعد أن جلا في موقف عرفة عن سطح قلبه ران الخطايا والآثام ليبدأ في مزدلفة عهداً جديداً من ذكر الله يلهج به لسان الحاج فيمخر صداه الطيّبُ عباب أعماق نفسه استجابة لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨] وهي الآية التي يقول الإمام القرطبي في تفسيرها: "أي اذكروه بالدعاء والتلبية عند المشعر الحرام" (٢) كما قال الإمام النووي في إدامة التلبية من عرفات إلى رمي جمرة العقبة قوله: "قال عبد الله ونحن بجمع" (٣):

"سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة (٤) يقول في هذا المقام: لبيك اللهم لبيك، فيه دليل على استحباب إدامة


(١) اُنظر صحيح ابن خزيمة للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري برقم (٢٨٤٦).
(٢) اُنظر الجامع لأحكام القرآن الشهير بتفسير القرطبي للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ج ٢ ص ٤١٨.
(٣) في هذا إشارة إلى الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه برقم (١٢٨٣/ ٢٦٩) عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: "لبيك اللهم لبيك" ..
(٤) قال الإمام النووي: وأما قول عبد الله بن مسعود سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة فإنما خص البقرة؛ لأن معظم أحكام المناسك فيها فكأنه قال: هذا مقام من أنزلت عليه المناسك وأخذ عنه الشرع وبين الأحكام فاعتمدوه وأراد بذلك الرد على من يقول بقطع التلبية من الوقوف بعرفات وهذا معنى قوله في الرواية الثانية إن عبد الله لبى حين أفاض من جمع فقيل: أعرابي هذا، فقال ابن مسعود ما قال إنكاراً على المعترض ورداً عليه والله أعلم". اُنظر صحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ ص ٤٠٦.

<<  <   >  >>