للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن اجتهادات الفقهاء اختلفت في تكييفها الفقهي بالنسبة للمبيت في المزدلفة ليلاً والوقوف فيها بعد الصبح نهاراً: إنّ معظم فقهاء الأمصار وأئمة المذاهب يرون أن الوقوف في مزدلفة ليس من فروض الحج (١)؛ لأن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قدّم ضَعَفَة أهله ليلاً ودفع بهم إلى رمي جمرة العقبة ومنها إلى مكة لصلاة الفجر هناك، فلو كان المبيت ركناً لما صار إلى تركه كما هو حال الوقوف بعرفة. يوضح هذا ما رواه مسلم في صحيحه أن ابن عمر كان يقدّم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

كما يؤيده حديث آخر من رواية مسلم عن عائشة أنها قالت: استأذنت سودةُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل حَطْمَةِ الناس (٣) وكانت امرأة ثبِطَةٍ "يقول القاسم: والثَبِطَة الثقيلة" (٤) قال: فأذن لها فخرجت قبل دفعه وَحَبَسَنَا حتى أصبحنا فدفعنا بدفْعه؛ ولأَن أكونَ استأذنتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنَتْهُ سودْةُ فأكونَ أدفع بإذنه


(١) هذا قول الجمهور وخالف في ذلك الأوزاعي وجماعة من التابعين الذين قالوا: هو من فروض الحج ومن فاته كان عليه حج قابل والهدي. وبمثل ذلك قال إمامان كبيران من أصحاب الشافعية هما أبو عبد الرحمن بن بنت الشافعي وأبو بكر بن خزيمة. عمدة هؤلاء الحديث المتفق على صحته: من أدرك معنا هذه الصلاة يعني صلاة الصبح بجمع وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه. اُنظر نفس المرجع ص ٣٤٩ - ٣٥٠. وصحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ ص ٤١٥.
(٢) صحيح مسلم برقم (١٢٩٥/ ٣٠٤).
(٣) بفتح الحاء أي زحمتهم.
(٤) تقول امرأة ثبطة بفتح المثلثة وسكون الموحدة وبكسرها أي ثقيلة الحركة بطيئة من التثبيط وهو التعويق. اُنظر سبل برقم للأمير الصنعاني ص ٧٤٤. والنووي على صحيح مسلم ج ٩ ص ٤١٤.

<<  <   >  >>