حجة الشافعية أن الجمع شرع لعلة السفر فلا يجوز إلّا في حق مسافر سفراً يبلغ فيه مسافة القصر وهو مرحلتان وما كان رخصة في سفر فلا يكون واجباً أما الإمام أبو حنيفة ومن وافقه فقالوا: إن الجمع في مزدلفة هو بسبب النسك فلا يصح فيه غير الاتباع، وما كان كذلك فهو واجب، وقد قال بهذا بعض الشافعية بينما قال الشافعي في قول ضعيف عنده يجوز الجمع في كل سفر ولو كان قصيراً لم يبلغ مسافة القصر وعلى هذا وذاك يمكننا الجمع في مزدلفة ولو كنا شافعية وهو ما يفعله اليوم كل الشافعية من علماء وطلاب علم ودعاة وأمناء أفواج أنهم يجمعون في مزدلفة تقليداً لأبي حنيفة وتقليداً لمن وافقه من الشافعية وإبراء للذمة ومتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أداه من أعمال الحج. هذا والله تعالى أعلم.
والخلاصة أن جمع الصلاتين الظهر والعصر في عرفة، والمغرب والعشاء في مزدلفة شرط لكمال الصلاة عند الشافعية، بينما هي شرط لصحة الصلاة عند غيرهم. ثم الخلاف في جمع التأخير مفاده: هل صحيح قبل مزدلفة؟ والإجابة على نحو ما بيَّنّا.
الفقرة الخامسة:
حكم الوقوف بالمزدلفة بعد صلاة الصبح والمبيت فيها بالليل:
أجمع علماء الإسلام أن من بات بالمزدلفة ليلة النحر وجمع فيها بين المغرب والعشاء مع الإمام ووقف فيها بعد صلاة الصبح إلى الإسفار بعد أن وقف من قبل بعرفة أن حجه تام؛ لأنه أتى بالصفة التي فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)؛ ولأنه وافق بفعله قول الله عز وجل {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}[البقرة: ١٩٨].
(١) اُنظر بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام الفقيه والفيلسوف الإسلامي الكبير الشيخ محمد بن رشد القرطبي ص ٣٤٩.