للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعرف عند أهل الشام بالدَّحل. علة النهي أن هذه الكيفية قد تفقأ العين أو تكسر السن، لاسيما وأن المرمى يكثر فيه الناس، فربما اندفعت الحصاة من تحت إصبع الرامي بغير اختياره فأصابت من بقربه من ضيوف الرحمن فآذته (١).

بهذا يتبيّن لنا أن الرمي كسائر عبادات الإسلام يصطبغ فيها ذكر الله تعالى بكل ما يتجلى به على قلب صاحبه من خشية وعلى نفسه من سكينة، وعلى جوارحه من وقار، وهو ما ينافيه ما يفعله بعض مسلمي اليوم من تدافع ومصادمة وإيذاء يدل على افتقارهم للذكر والعلم والتوعية على حد سواء، وعلى تراجع الذوق المحمدي الكريم في تصرفاتهم، وأنهم ينكفؤون خلف النصوص الحرفية دون مراعاة لروح الشرع ومقاصده وأولوياته وهو ما تقام عليهم به الحجة بما أورده إمام المحدثين البيهقي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: "رأيت رسول الله يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره فسألت عن الرجل فقالوا: الفضل بن عباس وازدحم الناس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أيّها الناس لايقتلْ بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخَذْف" (٢).


(١) الحق أن هذا النهي ورد في أبحاث الصيد والذبائح وليس في معرض الحج وأحكامه ومنها الرمي وهو ما جعل الإسنوي من الشافعية يقول: إن الحج غير مراد به هذا النهي؛ لأن الخذف في الصيد لا يقتل الحيوان. بيد أن الإمام ابن حجر الهيتمي في حاشيته رد عليه وعلى الزركشي القائل بقوله وذلك بالكلام التالي: "ولك ردّ ما قالاه بأن القاعدة أنه يستنبط من النص معنى يعممه وهو هنا خشية الإيذاء وهي موجودة". اُنظر حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح نور الإيضاح ص ٣٥٦.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي (٩٦٤١) وأبو داود واللفظ له (١٩٦٦).
وكأني بكلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ينطوي على معجزة غيبية تضاف إلى سجل معجزاته التي لا تنتهي إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، حين يتحدث من وراء سجاف الغيب وكأنه بيننا اليوم، فينهي عن القتل الذي لم يكن له وجود آنذاك، بينما هو اليوم ظاهرة تكاد تلازم الرمي بمعدل كل عامين مرة تقع فيها فاجعة لطائفة من ضيوف الرحمن تقتل دهساً بالأقدام فأين هذا من وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يقتل بعضكم بعضاً"

<<  <   >  >>