للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالأدب الإسلامي في الرمي الملاطفة والسكينة والتكبير مع كل حصاة، ومَن ترك الملاطفة فآذى غيره فقد عصى، أما من ترك التكبير فرمى من غير ذكر فلا شيء عليه إلّا أنه تارك للسنة جعلنا الله من أهلها المستمسكين بها. قال الإمام الشوكاني: "قال في الفتح: وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه. انتهى" (١).

وبعد أن يرمي الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخَيْف وهي أولهن من جهة عرفات بسبع حصيات مستقبلاً القبلة مكبراً مع كل حصاة فإنه يتقدم عنها وينحرف قليلا لجهة يساره ويجعلها في قفاه في موضع منها لا يصيبه المتطاير من الحصى الذي يرمى به هناك حيث يستقبل القبلة من جديد يحمد الله تعالى ويكبر ويهلل ويسبح ويدعو طويلاً واقفاً قدر قراءة سورة البقرة بقراءة الرجل المعتدل مع حضور القلب وخشوع الجوارح اتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

هذه الإطالة يحضر فيها بقوة الذوق الإسلامي الرفيع لذلك اشترط لها فقهاؤنا أن محلها حيث لا ضرر يتأتى للداعي وسط ازدحام الحشود، ولا إيذاء يمس غيره بسبب وقوفه حين تسد وفود الداعين الطريق مما يعرقل المسير نحو الجمرة التالية ويتسبب في بعض الأحيان بآلام ينتج عنها الأذى الشديد وما لا تحمد عقباه (٢).


(١) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ج ٥ ص ٨١.
(٢) اُنظر حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح نور الإيضاح للإمام النووي ص ٤٠٣ - ٤٠٤. وهنا لي كلمة أطل بها على قاصدي بيت اله الحرام من أبناء أمتنا العظيمة وأقول: ليت حجاج مكة ينالون قسطاً من هذه التوعية فتستقر في مراكز الوعي عندهم هذه المعادلة الدقيقة في تقبيل الحجر الأسود والصلاة عند مقام إبراهيم والعبادات في حجر إسماعيل واستلام الركن اليماني وخاصة منهم النساء اللائي يعرّضن أنفسهنّ للتماس المباشر مع الرجال في معصية تغضب الله تعالى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً! ذلك أن المسلم لايبلغ أعتاب البيت العتيق إلا ليزيح عن كاهله جبال المعاصي التي اكتسبها في ليالي الغفلة وأيام الشرود تحت سلطان الهوى والشهوة، فكيف يرضى بأن يكتب له منها في عتبات بيت الله الحرام المزيد أضعافاً مضاعفة؟ ! .

<<  <   >  >>