للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مندوب منها لم يسبق له التعرّف عليَّ قبل هذه الرحلة مشهود له بالنزاهة والمكانة بين بني قومه، حيث يقوم هؤلاء المرشحون بجمع المال الخاص بدماء الهدي والكفارات والأضاحي، ثم يتحركون في مجموعة واحدة إلى أحد البنوك ذات الكفاءة والتخصص في هذا المضمار، وهناك يقدمون لائحة بأسماء الحجاج الباذلين للمال جنباً إلى جنب مع المال الذي بذلوه، حيث يتم استصدار شيكات نظامية توثق هذا الإجراء كلٌّ باسم صاحبه، ومن ثم يتم توزيعها بحضور كامل حجاج الفوج وبالاسم الشخصي وعلى الملأ، كل هذا حرصاً مني على الدفاع عن نزاهة وشرف وكرامة ركن من أركان الإسلام يجب علينا جميعاً أن نذود عن حياضه كرامة لله ولرسوله ولحرمه الآمن وللمؤمنين.

إن إعراض الناس اليوم عن هذه السنة المؤكدة عن تقصير منهم، أو لطروء عوامل مانعة من هذا التدبير، لا يلغي هذه الشعيرة، وهي الثابتة في كتاب الله، والمعمول بها في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والسلف الصالح، لا سيما وأن الترك ليس لشعيرة البدن والأضاحي والكفارات، فهذه لا تزال تحيا بيننا إلى اليوم، وإنما التخلف واقع على طريق وصول الهدي إلى مكة، فلم يعد يسوقه الحجاج، أو يرسلون من يسوقه لهم إلى مكة، وهو ما يعني أن الأحكام المرتبطة بها من النحر والذبح، ومن صفة الهدي والأضحية، لم تتغير، والذي تأثر هو الزمن الذي فيه نمتلك الهدْيَ وما يتبعه من أعمال حتى الوصول إلى مكة المكرمة، حيث انتقل من يوم مغادرة الحاج لبلده صوب البيت الحرام إلى يوم النحر بمنى (١)، لذلك لا يسعني إلّا أن أقف أميناً مع العنوان القرآني


(١) اتفق جماهير أهل العلم على جواز أن لا يسوق الهدي، وأن يشتريه من منى، لكن الأفضل للحاج أن يسوق هديه من بلده؛ فإن لم يفعل فشراؤه من الطريق أفضل ثم من مكة، ثم من عرفات. اُنظر الحج والعمرة في الفقه الإسلامي لأستاذنا الدكتور نور الدين عتر ص ١٧٦. وخالف الشافعية فذهبوا إلى أنه لا فرق بين أن يشتريه من طريقه أو من مكة أو من منى، أو من غيرهما. اُنظر الحاشية للعلامة ابن حجر على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٦٦.

<<  <   >  >>