أكثر الوسائل أمناً وأقلها تعرضاً للخطورة كما أنها تتراجع بصحبتها مظاهر الإذلال التي ترافق معظم المنافذ الحدودية البرية على طول الكرة الأرضية وعرضها.
ثم أليس للطائرات فضيلة تسهيل وصول وفد الله من كل بقاع الأرض إلى حرمه الآمن، أما النفقات الباهظة التي ترافق هذه الوسيلة فإنها تتواضع أمام هذه الثمار اليانعة خصوصاً الأمان والوقت، كما أنها تصب في الجهاد المالي الذي لا تتم مناسك الحج من غيره.
النقطة الأخيرة التي تسجل هنا أن النقل بالجو أصبح سمة العصر وجزءاً لا يتجزأ من التواصل بين مدنه وقاراته في حركة حياتنا اليومية، يقصده الغني والفقير على حدٍّ سواء مما ينفي صفة الترفه التي لا تليق بتواضع هذه الفريضة وغاياتها، أما الإشكال الذي قد يُحدثه كلام النووي من استحباب القَتَبِ والرَّحْل دون الهودج؛ لأن راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت زاملته فلا يتعارض مع ما سبق بيانه لماذا؟ ؛ لأن الفقهاء لم يكونوا حرفيين في التعامل مع النصوص فقد راعى اجتهادهم مثلاً عادة المرأة في سفرها الدنيوي فقالوا بمثله في سفر الحج، ومن المعلوم أن ذلك يختلف بين امرأة وأُخرى بتأثير البيئة والتقاليد والثقافة، لذلك قال الإمام العلامة الخطيب الشربيني فيما نقله عن الأذرعي:"وغاية الرفق أن يسلك في العبادة مسلك العادة، فإنّ كثيراً من نساء الأعراب والأكراد والتركمان كالرجال فإنّ الواحدة منهنّ تركب الخيل في السفر الطويل بلا مشقة"(١) اهـ.
أقول: فإذا كان لاختلاف المكان والقوم والظروف الاجتماعية والمناخية أثر في رؤية الفقهاء مع أن الزمان واحد، فكيف لا يكون لزمانين مختلفين، وبيئتين متباعدتين أثر في