ومنها أن الحاج في أكثر بلاد الإسلام لا تتم تهيئته لهذه الرحلة العامرة في أركانها وواجباتها وآدابها وغاياتها، ولما سيعترضه من مصاعب في سبيل تحقيقها، وما يحتاجه من زادٍ مادي وديني في سبيل تحصيلها على أتم وجهٍ يرضى به الله عنه، وهو ما أفسح المجال لتسلل الخفافيش التي تعمل في الظلام فإذا بها تتصدّى للدعوة إلى الله! وقيادة ضيوف الله في بيوت الله! وكم رأيت أثناء تجربتي المتواضعة مَنْ لا يجيد القراءة والكتابة، ولا يحمل أدنى شهادة تحصيل علمي لا في مجال الشريعة ولا على المستوى المدرسي ثم يتصدى للعمل في هذه المؤسسة الإسلامية الكبرى مؤسسة الحج مفتياً وواعظاً ومربياً! فكيف استطاع أمثال هذا خداع الناس وفيهم المثقفون في شتى المجالات؟ وأين هم الرقباء الغيورون على مصلحة أُمتنا؟ وكم أحدثت أمثال هذه الثغرات من فتنٍ زلزالية بين الحجاج دفعت بالحجيج إلى نقيض ما دعانا ربنا إليه! .
هذا هو الداء في وصف أمين دقيق، وهذه هي المعضلة المستشرية في جسد الأمة المريض، أسطر فيها الكلمات وقلبي يعتصره الأسى على ما وصلنا إليه، وهنا لا بد لك أن تسأل: ما هو العلاج؟
في الجواب المختصر أقول: أعتقد أنّ كل كلمة سطرتها في هذه المقدمة هي خطوة صحيحة في تحديد العلاج النافع، الذي يمكنني أن أختصره في كلمة واحدة عنوانها "عَوْدٌ على بدء": أن نعود من حيث بدأ سلفنا الصالح، أن نعرف الله رغبة ورهبة كما عرفوه، أن نضع الدنيا في موقعها الصحيح فلا نضيّع ديننا في سبيلها فنخسر الآخرة والدنيا، ولا نعرض عنها فنعطل حكمَ الله فيها، وأن نكون في الدنيا كما علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عابري سبيل، وهل من العقل أن يقف عابر السبيل عند استراحةٍ ما لأجل حاجيات ضرورية له