فيعجب من فن صناعتها، وتنوع تصاميمها، وينشغل بذلك عن رحلته البعيدة؟ هل من المنطق أن يتعامل معها تعامل المقيم وهو يعلم أنه مهما بقي في ظلها فإنها ليست أرضه الباقية، بل محطته العابرة، وأنه لا بد في يومٍ ما مرتحلٌ عنها؟ هكذا هي الدنيا نصيبنا الشرعيُّ منها بمقدار ما نقيم فوق أرضها من حضاراتٍ لحاضرنا وأجيالنا، وهي محطات مهما طالت سنوليها الدُّبر، فهل نبيعُ العين الصحيحة بالعَوَر؟
بيد أنَّ هذا الكلام ذاته هو محضُ مشكلة تتطلبُ منَّا حلاً، إذ كيف نعود بالأُمة إلى الله - عز وجل - وهي التي مزقت إرباً إرْباً، ثم استفرد بكل قطعة لحم منها أكلةٌ شرهون، في الوقت الذي فتحت فيه أبوابُ الشهوات على مصراعيها في ظل عَوْلمة الرذائل، وأمركة الثقافات، وتراجع أصحاب القدوةِ عن تحمل المسؤوليات! لذلك أعود أدراجي مرة أُخرى إلى كلام أُستاذنا الجليل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حين قال:"يا قارئي الكريم. أما الحديث والكلام فقد أُنفق منه لعلاج هذا البلاء الذي وصفته لك، ما لو كان للكلام نهاية لانتهى الكلام منذ حين. لم يبقَ من علاج إلّا صدق الالتجاء إلى رحاب الله. قد لا نملك إصلاح هذا السوء في حياتنا، ولكننا نملك الذلَّ لله - عز وجل - في نفوسنا ... ".
ونِعْمَ ما قلتَه يا شيخنا الجليل: فما لم ندخل إلى الله - عز وجل - من باب التضرع والعبودية، وما لم نستشعر بين يدي مولانا شرف التذلل بين يديه، وصِدْق الالتجاء إليه، فإنَّ شيئاً مما نصبوا إليه لن يتحقق، وإننا ومع ابتهالاتنا المتكررة في الأزمنة والأمكنة المباركة وخلف رجالٍ خصهم الله بصفاء المعرفة لا نملك أكثر من أَن نعذر أنفسنا أمام الله بالبكاء والتبتل إليه والالتجاء، بعد أن أخذنا بأسباب النهوض، واعتمدنا على العلي المتعال علام الغيوب، فإليه وحده يرجع الأمرُ كله، وهو القادرُ على ذلك في موعدٍ قدره الله وقضاه، ولقد بلغت هذه الأمة قبل نبيِّنا محمد صلوات الله وسلامه عليه كل