مبلغ من السوء، فتحولت مكة أرض التوحيد إلى معبد للأوثان، وصار الطواف حول البيت تلازمه صفة العُري بسبب جهل استشرى كانوا معه يقولون: كيف نطوف بثياب عصينا الله فيها، حتى ضاعت معالم الحج الإبراهيمي في مستنقعات الجهل والضلال، ثم ما لبث الفجر أن انبلج، وما لبثت الغيوم أن انقشعت في تجديدٍ لصرح هذا الركن العظيم على يدِ محمد الأمين، عليه أفضلُ الصلاة وأتم التسليم. وإذا كانت الرِّسالات قد ختمت بالإسلام، فإن في رجالات الإسلام المخلصين من ينهض في كل عصرٍ لتجديد هذا الدين من خلال ربط القلوب بالله رب العالمين، وربط المسلمين بنهج السلف الصالح أصحاب الخيرية في هذه الأُمة، وما جهدي المقل، إلّا على خطا هؤلاء الذين لا نشك أن الله سيصلح بأحدهم أو بهم جميعاً صرحَ هذه الفريضة الشامخة شموخ الكعبة في كل حين.
وأخيراً فإنني في هذا البحث المتواضع لم أعتمد أسلوب من سبقني في تأليف كتبٍ عن مناسك العمرة والحج، وإلّا لأغنى ما كتبوه عن بذل جهد فيه، وهو ما يجعل عملي سفراً لا طائل منه، لذلك تعمدت التميز في هذه الكتابة بهدف إضافة جديد في مكتبتنا الإسلامية التي نباهي الدنيا بعليائها.
التميز بدأ في عنونة الكتاب إذ سميته:"الركن الخامس"، ثم في طريقة الكتابة، فلم أُقسمه على غرار الآخرين إلى أركان للحج وواجبات وسنن، وإنما شرعتُ في تدوينه من خلال حجة الوداع، حسب التسلسل المعروف لحجته - صلى الله عليه وسلم - أخذاً من رواية جابر التي أخرجها مسلم في صحيحه، وهي أدق وأوسع رواية على الإطلاق، حرصاً مني على تعريف المسلمين بأهم تفصيلات تلك الحجة المباركة التي يجهلها ـ للأسف ـ الكثير من المسلمين، وبهذا يسهل الاقتداءُ بإمام الأولين والآخرين محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وتعم الفائدة.
لكنني في حقيقة الأمر لم أكتف برواية جابر، ولم أحبس دراستي عندها، فثمة