للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك ترك كثير من مألوفاتها (١).

مكة المكرمة هي المدينة المتقدمة على كل مدن الدنيا في الإثابة والحرمة والفضل؛ لأنها عند جمهور المسلمين أفضلُ بقاع الأرض؛ بسبب تحريم الله لها، فهي لم تحرّمْ من قِبَل بشر، بدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١)} [النمل: ٩١].

روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة: "فإنَّ هذا بلدٌ حرّمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض وهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة" (٢). وفي رواية لمسلم: "إنّ مكّة حرمها الله ولم يحرّمها الناس" (٣).

أما الحديث الذي في الصحيحين عن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ إبراهيم حرم مكة، وإني حرمتُ المدينة" (٤) فإنه يحمل على أنّ إبراهيم أظهرَ حرمتَها بعد أن كان مهجوراً، لا أنّه ابتدأه، وهو ما نصّ عليه الإمام النووي (٥).

ومكة ذاتُ أسماء كثيرة، ومن المعلوم أن كثرة الأسماء تدلُّ على عظم المسمّى،


(١) حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح في مناسك الحج للنووي الباب الخامسصـ ٤٦٩.
(٢) البخاري (١٧٣٧) ومسلم (١٣٥٣/ ٤٤٥).
(٣) مسلم (١٣٥٤/ ٤٤٦) وكذلك الترمذي برقم (٨٠٩).
(٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (٩٥٩) ولفظه: "قال علي: ما عهد إليَّ رسول الله شيئاً خاصة دون الناس، إلّا شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي. قال: فلم يزالوا حتى أخرج الصحيفة، قال فإذا فيها: من أحدث حدثاً .... قال: وإذا فيها: "إنّ إبراهيم حرّم مكة، وإني حرمت المدينة حرام ما بين حرّتَيْها وحماها كله ... "، قال محققوا الموسوعة الحديثية على مسند أحمد ح ٢ صـ ٢٦٨: صحيح لغيره، رجاله ثقات ... "، كما أخرجه الإمام أحمد برقم (١٥٩٣) وفيه: " ... اللهمّ إن إبراهيم عبدُك وخليلك وإني عبدُك، وإنّ إبراهيم سألك لأهل مكة وإني أسألك لأهل المدينة، كما سألك إبراهيم لأهل مكة ومثله معه، وإنّ المدينة مشبّكة بالملائكة ... ".
(٥) شرح الإيضاح في مناسك الحج للنووي الباب الخامس المسألة الرابعة والعشرون.

<<  <   >  >>