لهذه الفريضة من خلال البحث فقط عن الأوراق الرسمية! والسؤال عن وسيلة النقل! وموقع السكن! ونوعية الخدمات! في الوقت الذي ينشغل فيه تماماً عن تلقي الدروس العلمية في محيط هذه الفريضة، ويقصر في الاستفسار عن توثقه من علم وورع أمير القافلة التي هي محلّ اختيار هذا المسلم الغافل! ثم إذا أحسن الاختيار فإنه يُقدِّم الأعذار الواهية والمتتالية ليتخلف عن الدروس التمهيدية بين يدي هذه الفريضة! وكم يؤلمني عندما يصادفني أمثال هذا من المخلَّفين عن أهم حلْقة في هذه الرحلة العظيمة، وكم يزدادُ غضبي عندما يتقدم إليّ أحدهم بطلب تقرير عن كافة أفكار اللقاءات المتكررة معتذراً عن متابعة الدروس التحضيرية بنفسه! ! .
الحج إلى بيت الله الحرام ركنٌ أساسٌ في البناء الإسلامي الشاهق، يؤديه المسلم في زمانٍ مخصوص، ومكانٍ مخصوص، وعلى وجهٍ مخصوص، ضمن خطوطٍ محكمة تتفرع عنها جداول ثابتة تلتقي معها على تجسيد هذه الفريضة في كل عام، فهل يمكن الدخول في خضم هذا الركن القائم على الخصوصية في زمانه ومكانه وأدائه دون إدراك ما يقوم عليه الحج من أركان وواجبات وآداب؟
هذا هو المعنى الذي ترسخ في أذهان ووجدان سلفنا الصالح في حين غفلت عنه أُمتنا اليوم، ولو لم يكن ذلك صحيحاً لما قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم"(١)، ولما أجهد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنفسهم في البحث عمّن شهد الحج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما تكلفوا مشقة السؤال عن طريقة فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفريضة الركن الخامس، بل لو لم يكن ذلك كذلك لما انكبَّ العلماء على هذا الحديث - الذي تفرد
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (٩٦٠٨) وتتمته: "لعلّي لا أراكُمْ بعد عامي هذا".