للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسلم بروايته دون البخاري - قراءة وبحثاً واجتهاداً وتأليفاً، حتى صنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءاً كبيراً خرج منه بمائة ونيف وخمسين نوعاً من الأحكام الفقهية، ناهيك عن تصنيف النووي في شرحه على صحيح مسلم، ومصنفات أخرى في هذه الفريضة على مذاهب الأئمة الأجلاّء بين مختصر وموسع ومتوسّع تعد بالآلاف (١).

وبهذه المناسبة فإنني أستحضر من تاريخنا المعاصر صورة توضيحية عن رجل اشتهر بالعلم والعمل والإخلاص، ذلكم هو العلامة مُلاّ رمضان البوطي الفقيه الشافعي، الذي لم يحجزه علمه عن الاستعداد للحج بطلب أحكامه من مصادرها الموثوقة قبل الرحلة إليه بأربعة أشهر! فما قولك فيمن لا علم له بشيء من أحكام هذه الفريضة الجماعية ثم يعتذر بسبب دنياه؟ ! .

قال الإمام النووي في كتابه "الإيضاح في مناسك الحج": "يجب عليه إذا أراد الحج أن يتعلم كيفيته، وهذا فرض عين، إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها، ويستحب أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في المناسك جامعاً لمقاصدها وأن يديم مطالعته ويكرِّرها في جميع طريقه لتصير محقَّقَة عنده، ومَن أخلَّ بهذا خِفْنَا عليه أن يرجع بغير حجٍّ لإخلاله بشرط من شروطه أو ركن من أركانه أو نحو ذلك، وربّما قلّد كثير من الناس


(١) كما أنه ينبغي على الحاج قبل الخروج للحج أن يحرر نية الإخلاص لوجه ربه الكريم، فلا يدّعي أنه ذاهبٌ إلى تطهير قلبه من الدنيا ثم تكون دنياه هي الباعث الحثيث له لتلك الرحلة الطاهرة، ومن الأمثلة الناصعة في تاريخ هذه الأمة ومن رحم سلفها الصالح نقف عند أحد التابعين الصالحين: إنه عبد الله بن المبارك الذي قالوا فيه إنه كان إذا خرج إلى مكة حاجاً أو معتمراً قال:
بغض الحياة وخوف الله أخرحني ... وبيع نفسي بما ليست له ثمناً
إني وزنت الذي يبقى ليعد له ... ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

<<  <   >  >>