قَالَ الحَافِظُ فِي "التَّهْذِيب" (٣/ ٥٥٣/ ط الرِّسَالَة): قَوْلُهُ -يَعْنِي: أَبا حَاتِم-: "عَلَى يَدَيْ عَدْل". مَعْنَاهُ: قَرُب مِنَ الهَلاك، وَهَذَا مَثَلٌ للعَرَب، كَانَ لِبَعْض المُلوك شُرْطِي اسْمُهُ: عَدْل فإذا دَفَع إِلَيْهِ مَنْ جَنى جِنَاية جَزَمُوا بِهَلاكِهِ غالبًا. ذَكَرَهُ ابن قُتَيْبَة، وَغَيْرُهُ، وَظَنَّ بَعْضُهُم أَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظ التَّوْثِيْق فَلَم يُصِبْ".قُلْتُ: المُرَاد بالبَعْض هُنَا الحَافِظ العِرَاقِي.قَالَ السَّخَاوي فِي "فَتْح المُغِيْث" (٢/ ٢٩٩): وَأَفَاد شَيْخُنَا -يَعْنِي: الحَافظ- أنَّ شَيْخَهُ الشَّارح -يَعْنِي: العِرَاقِي- كان يَقُوْل فِي قَوْلِ أَبِي حَاتِم: "هُو عَلَى يَدَيْ عَدْل": إنّها مِنْ أَلْفَاظ التَّوْثِيْق، وكان يَنْطِقُ بِهَا هَكَذَا بِكَسْر الدَّال الأُوْلَى، بِحَيْثُ تَكُوْن اللَّفْظَة للوَاحِد، وَيَرْفَعُ اللام وَيُنَوِّنُهَا.قَالَ شَيْخُنَا: كُنْتُ أَظُنّ أَنْ ذَلِك كَذَلِك؛ إِلى أَنْ ظَهَرَ لِي أنَّها عِنْد أَبِي حَاتِم مِنْ أَلْفَاظ التَّجْرِيْح، وَذَلِك أَنَّ ابْنَهُ قال فِي تَرْجَمَة جُبَارة بن المُغَلِّس: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْل: هُوَ ضَعِيْفُ الحَدِيْث، ثُمَّ قَالَ: سَألْتُ أَبِي عَنْهُ؟ فَقَال: هُو عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ. ثُمَّ حَكَى أَقْوَال الحُفَّاظ فِيْهِ بالتَّضْعِيْف، ولم يَنْقُلْ عَنْ أَحَدٍ فِيْهِ تَوْثِيْقًا، وَمَع ذَلِك فَمَا فَهِمْتُ مَعْنَاهَا ولا اتّجَهَ لِي ضَبْطُهَا.ثُمَّ بَانَ لِي أنَّهَا كِنَايَة عَنِ الهَالِك، وَهُو تَضْعِيْفٌ شَدِيْدٌ؛ فَفَي كِتَاب "إِصْلاح المَنْطِق" ليَعْقُوب بن السِّكِّيت (ص: ٣١٥)، عن ابن الكَلْبِي، قال: "جَزْء بن سَعْد العَشِيْرَة بن مَالك مِنْ وَلَدِهِ العَدْل، وكان وَلِي شُرطَ تُبَّع، فكَان تُبَّع إِذَا أَرَاد قَتْلَ رَجُلٍ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَمِنْ ذَلِك قال النَّاس: وُضِع على يَدَيْ عَدْل، وَمَعْنَاهُ هَلَك".قلت: وَنَحْوُهُ عِنْد ابن قُتَيْبَة في أَوَائِل "أَدَب الكَاتِب"، وَزَاد: ثُمّ قِيْل ذَلِك لِكُلِّ شَيءٍ قَدْ يُئسَ مِنْهُ. انتهى.قَالَ -مُقَيِّده عفا الله عنه-: لَعَلّ سَلَف الحافظ العِرَاقِي فِي ذَلِك، هو الحافظ الذَّهَبِي. انْظُر: "الكَاشِف" (برقم: ٦٤٠٥/ تَرْجَمَة يَعْقُوب بن مُحمَّد بن عِيْسى العَوْفي)، والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute