للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتبيَّن بما ذكرناه أن المقلِّد ليس بعالم، وأن التقليد إنما يُصار إليه عند الحاجة للضرورة، ولكن قد دعت الحاجة والضرورة إليه من زمن طويل، لا سيما في هذا الوقت.

[أنواع التقليد]

وحينئذ فيقال: التقليد ثلاثة أنواع (١):


(١) الكلام هنا في غير المجتهد، فأما من حصلت له أهلية الاجتهاد بتمامها سواء على الإطلاق، أو في مسألة من المسائل؛ فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون قد اجتهد في المسألة وغلب على ظنه حكمٌ: فلا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين إجماعًا، نقله غير واحد.
الثانية: إذا لم يجتهد في المسألة: فاختلفوا في جواز تقليد غيره من المجتهدين مع تمكُّنِه من الاجتهاد، على أقوال، أشهرها:
قول جمهور العلماء والأصوليين: وهو منع التقليد؛ لأنه مأمور بالتفكر والاعتبار وهو قادر عليه، فلم يجز له ترك المأمور.
وقيل: يجوز، ونسبه الرازي والآمدي والقرافي والهندي وغيرهم إلى الإمام أحمد وإسحاق تبعًا لأبي إسحاق الشيرازي، وأما الحنابلة كالمرداوي وابن النجار وغيرهما، فقد نسبوا للإمام أحمد القول بالمنع موافقةً للجمهور، ولما ذكروا القول بالجواز قالوا: (وحُكي عن أحمد)، قال شيخ الإسلام: (وما حُكي عن أحمد من تجويز تقليد العالمِ العالمَ؛ غلط عليه)، وقال أبو الخطاب: (وهذا لا يعرف عن أصحابنا).

وقيل: يجوز عند ضيق الوقت. وفي المسألة أقوال أخرى أوصلها الزركشي إلى أحد عشر قولًا.
تنبيهان:
[الأول]: لا فرق فيما تقدم بين من حصلت له أهلية الاجتهاد بتمامها في جميع الأبواب كحال الأئمة المجتهدين، أو حصلت له الأهلية في مسألة من المسائل، نص على ذلك الآمدي والمرداوي وغيرهما، وقال ابن الزملكاني: (فإذا كان هذا الموصوف - أي: بالاجتهاد الجزئي - يقلِّد الإمام في مسائل يسوغ له التقليد فيها، وقع له في مسألة هذه الأهلية؛ تعيَّن عليه الرجوع إلى الدليل والعمل به، وامتنع عليه التقليد).
[الثاني]: السبب في عدم بلوغ مرتبة الاجتهاد؛ هو القصور في علمي الحديث والنحو، قال السيوطي: (والمجتهد المقيَّد إنما ينقص عن المطلق بإخلاله بالحديث أو العربية)، وإلى ذلك أشار المرداوي.
ينظر: الإحكام للآمدي ٤/ ٢٠٤، المحصول للرازي ٦/ ٨٣، نفائس الأصول ٩/ ٣٩٣٥، الواضح ٥/ ٢٥٤، نهاية الوصول للهندي ٨/ ٣٩٠٩، المسودة ص ٤٦٨، البحر المحيط ٨/ ٣٣٤، التحبير شرح التحرير ٨/ ٣٩٨٧، شرح الكوكب المنير ٤/ ٥١٥، الرد على من أخلد إلى الأرض ص ٤٢.

<<  <   >  >>