للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[هل يلزم تقليد الأعلم؟]

ويلزم هذا العاميَّ أن يقلِّدَ الأعلمَ عنده، كما يلزمُه في مسألة القبلة، فإذا اجتهد مجتهدان عند اشتباه القبلة فاختلفا في الجهة، اتَّبع المقلدُ أوثقَهما عنده (١).

[حكم تتبع العامي للرخص]

ولا يجوز له أن يتَّبع الرُّخَص (٢)، بل يحرم ذلك عليه، ويَفْسُقُ به (٣)،

قال ابن عبد البر: (لا يجوز للعامي تتبع الرُّخَص إجماعًا) (٤).


(١) وسيأتي بيان الخلاف في المسألة قريبًا في مسألة حكم تقليد المفضول.
(٢) المراد بتتبع الرُّخص: أنه كلما وجد رخصة في مذهب عمل بها ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب، فيأخذ غرضه من أي مذهب وجده فيه.
وأما تتبع الرُّخَص الشرعية؛ كالقصر والفطر في السفر ونحو ذلك فغير مراد.
ينظر: إعلام الموقعين ٦/ ٢٠٥، التحبير ٨/ ٤٠٩٠، شرح الكوكب المنير ٤/ ٥٧٧.
(٣) نُقل التفسيق به عن الإمام أحمد ويحيى القطان وأبو إسحاق المروزي الشافعي، ونقل البيهقي عن الأوزاعي أنه قال: «من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام»، وحكى ابن حزم الاجماع على التفسيق به.
واختار ابن أبي هريرة: أنه لا يفسق به.
وخصَّ القاضي أبو يعلى التفسيق بحالتين: (بالمجتهد إذا لم يؤده اجتهاده إلى الرخصة واتبعها، وبالعامي المقدِم عليها من غير تقليد؛ لإخلاله بغرضه وهو التقليد) قال ابن مفلح: وفيه نظر.
قلت: القول بعدم تفسيق تتبع الرُّخص لا يعني القول بالجواز.

ينظر: السنن الكبرى ١٠/ ٣٥٦، المسودة ص ٥١٨، الغيث الهامع ص ٧٢٣، البحر المحيط ٨/ ٣٨١، أصول الفقه لابن مفلح ٤/ ١٥٦٣.
(٤) نقله عنه ابن مفلح في أصوله ٤/ ١٥٦٣، والمرداوي في التحبير ٨/ ٤٠٩١، وصاحب التقرير والتحبير ٣/ ٣٥١.
وجاء في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (٢/ ٩٢٧)، مسندًا عن سليمان التيمي أنه قال: «إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله»، قال أبو عمر ابن عبد البر: (هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا والحمد لله).
وقد تناول الشاطبي مسألة تتبع الرخص، وأفرد لها فصلًا قصيرًا في بيان مفاسدها؛ كالانسلاخ من الدين، وكالاستهانة بالدين إذ يصير سيَّالًا لا ينضبط، وكانخرام قانون السياسة الشرعية، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم، ثم قال: (وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها)
وقد استشكل ابن الهمام الحنفي المنع من تَتبُّع الرُّخص، وقال: (وأنا لا أدري ما يمنع هذا من النقل أو العقل وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد ما علمت من الشرع ذمه عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته).
والجواب: أن في تتبُّع الرُّخص ميلًا مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى؛ فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه، قاله الشاطبي.

تنظر مسألة تتبع الرخص أيضًا: الموافقات ٥/ ٩٩، فتح القدير ٧/ ٢٥٨، أصول الفقه لابن مفلح ٤/ ١٥٦٣، التحبير ٨/ ٤٠٩٠، البحر المحيط ٨/ ٣٨١، إرشاد الفحول ٢/ ٢٥٣ التقرير والتحبير ٣/ ٣٥٠.

<<  <   >  >>