ولم يميزوا بين المجتهد المطلق الذي قد اجتمعت فيه شروط الاجتهاد، فهو يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد ولا تقييد، وبين المجتهد في مذهب إمامه، أو في مذهب الأئمة الأربعة من غير خروج عنها، فهو ملتزم لمذهب إمام من الأئمة، وينظر في كتب الخلاف، ويُمعِن النظر في الأدلة، فإذا رأى الدليل بخلاف مذهبه قلَّد الإمام الذي قد أخذ بالدليل، فهو اجتهاد مشوب بالتقليد، فينظر إلى ما اتفقوا عليه ويأخذ به، فإن اختلفوا نظر في الأدلة، فإن وجد مع أحدهم دليلًا أخذ بقوله، فإن لم يجد في المسألة دليلًا مِن الجانبين أخذ بما عليه الجمهور، فإن لم يجد ذلك، بل قوي الخلاف عنده من الجانبين؛ التزم قول إمامه إذا لم يترجح عنده خلافه.
فأكثر المقلدين لا يميزون بين المجتهد المستقل من غيره، وجعلوهما نوعًا واحدًا، وهذا غلط واضح؛ فإن من كان قاصرًا في العلم؛ لا يَستقِل بأخذ الأحكام من الأدلة، بل يسأل أهل العلم،