الأولى: أن يعلم بالحجة ويظهر له الحق في المسألة تخالف مذهبه، سواء بسماع من غيره أو في قراءة أو مذاكرة: فيدخل في التقليد بعد ظهور الحجة، وهو حرام بالاتفاق كما تقدم. الثانية: ألا يعلم بالحجة ولا يظهر له الحق، ولا يتمكن من معرفة الراجح دليلًا؛ لكون المسألة داخلة في مسائل الاجتهاد التي تتطلب نظرًا وأهلية وهو قاصر عنها: فهذا هو المقصود من هذا القسم، فيجوز له التقليد؛ لما ذكره المؤلف. وقصور المتفقِّه عن النظر في مسألة من المسائل ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يكون المتفقِّه مفرطًا: وذلك بركونه إلى التقليد مدة طويلة وعزوفه عن التعلم: وهذا مذموم كما ذكر المؤلف رحمه الله، ونص الشنقيطي على أنه ليس بمعذور.
وهذا التفريط كان سببًا من أسباب قلة المجتهدين في بعض الأزمان، قال مجد الدين والد ابن دقيق العيد: (عز المجتهد في هذه الأعصار، وليس ذلك لتعذر حصول آلة الاجتهاد، بل لإعراض الناس في اشتغالهم عن الطريق المفضية إلى ذلك) الثاني: ألا يكون المتفقِّه مفرطًا: فهذا معذور في التقليد؛ للضرورة، لأنه لا مندوحة له عنه، وعدم التفريط يكون في صور ذكرها الشنقيطي، منها: ١ - … أن يكون لا قدرة له أصلًا على الفهم، قال شيخ الإسلام فيمن يعجز عن معرفة الحق: (والعجز قد يُعنى به العجز الحقيقي، وقد يعنى به المشقة العظيمة، والصحيح الجواز في هذين الموضعين) ينظر: الاختيارات ص ٤٨٣. ٢ - … أن يكون له قدرة على الفهم وقد عاقته عوائق قاهرة عن التعلم. ٣ - … أن يكون في أثناء التعلم ولكنه يتعلم تدريجًا؛ لأنه لا يقدر على تعلم كل ما يحتاجه في وقت واحد، وقد قرره أبو الخطاب أيضًا فقال: (ليس كل من تفقَّه صار من أهل الاجتهاد على ما نجد عليه كثيراً من أهل زماننا، وأيضاً فما يصنع إذا نزلت به حادثة في حال تعلمه قبل أن ينتهي إلى حال الاجتهاد؟). ٤ - … ألا يجد كفئًا يتعلم منه، وقد نص عليه شيخ الإسلام أيضًا. ينظر: التمهيد لأبي الخطاب ٤/ ٤٠٠، مجموع الفتاوى ١١/ ٥١٤، البحر المحيط ٨/ ٢٤١، أضواء البيان ٧/ ٣٥٦.