يتعلمون العلم لنفوسهم حتى تزكو، ولقلوبهم حتى تجلو، لا للناس أو للجاه أو ليقال، وكان كيد الشيطان فيهم ضعيفًا، والمتعلم منهم من حبائله فطينًا حصيفًا؛ فظهرت السنن وأُمر بالمعروف ونُهي عن المنكر وقامت سوق الديانة، فكلما أوقد أعداء السنن نار البدع أطفوها بماء النبوة.
وكان مسلكهم في تحصيل العلم آنذاك؛ الرجوع إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن والحديث والتفقُّه فيهما، ثم العمل بمقتضى ذلك والدعوة إليه، واستمروا على ذلك زمانًا صحَّ لهم فيه المأخذ ولم يُعكِّر صفوَه معكِّر.
ولما اتَّسعت رقعة الإسلام، وطالت أطرافه بلاد الأعاجم، وتطاول العهد بالنبوة؛ كثرت الأفهام السقيمة والدواخل الفاسدة، وزاحم أهلَ العلم النافع غيرُهم، وتشعَّبت المقاصد والنيات، فعمد الشيطان بمكايده لدسِّ العلم الضار بالعلم النافع وخَلْطِ بعضه ببعض، حتى إذا ما أراد طالبٌ تحصيل العلم النافع اشتبه عليه بغيره فضلَّ وأضل.
ففي علم الحديث والسير والمغازي؛ سوَّدت الزنادقة والمبتدعة الصحائف بالأخبار الباطلة، فنهض أهل الحديث وحموا الأخبار بحفظها وبيان عللها، قال ابن سيرين: (كانوا لا