والعرض، {وجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وأَنْهَارًا}[الرعد: ٣] أي: أرسى الأرض وثبَّتها بالجبال {ومِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}[الرعد: ٣] والزوج يطلق على الاثنين وعلى الواحد المزاوج للآخر، والمراد بالزوج الواحد، ولهذا أكَّد الزوجين بالاثنين لدفع توهم أنه أريد بالزوج هنا الواحد، فالثمرات زوجان منها الحلو والحامض، والأبيض والأسود، {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}[الرعد: ٣] أي: جعل كلاً منهما يطلب الآخر طلبًا حثيثًا، فإذا ذهب هذا غشية هذا، وإذا انقضى هذا جاء الآخر، {إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي: يتفكرون في آيات الله، أي: في مدِّ الأرض، وإرسائها بالجبال، وما جعله فيها من الثمار، وتعاقب النور والظلمة.
أخبرنا ربُّنا - عزَّ وجلَّ - أنَّه جعل في الأرض قطعًا متجاوراتٍ، أي: أراضي يجاور بعضها بعضًا، وفاوت بين هذه الأراضي، فجعل بعضها أرضًا طيبةً تنبت العشب، وتحفظ الماء، وجعل قطعةً مجاورة سبخةً مالحةً لا تنبت، وجعل قطعةً ثالثةً صخريةً صلدةً قاسية، وقد تتفاوت الأرض في ألوانها، وهي متجاورة، فتكون هذه بيضاء، وهذه سوداء، وهذه حمراء، وقد تكون الأرض جنانًا متنوعةً، أي: بساتين متنوعة، فتكون جناتٌ من أعنابٍ وزرعٍ، ونخيل صنوانٍ وغير صنوان، يسقى بماء واحد، أي: تكون الأرض الواحدة تنبت