صدق من الصلاح والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظلمة من الباشات والقياد وغيرهم من لصوص المغافرة والتوارق، وأما أكابر الظلمة بين يديه أحقر من دابة. كم صدع بالحق في الله تعالى ولم يخش لومة لائم! فكانت الباشات واللصوص تهابه. فلما جاء الباشا الخضر لولاته في محلته أخذ يغلظ عليه الكلام وإبن عمه عبد الوهاب بن علي بن الشيخ يقول له: فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى. وكانت الظلمة تطيش عقولهم. عند رؤيته ولا يستطيعون مقابلته، فحكي أن بعض العرب الظلمة كان بينه وبين الحاج عثمان الزيدي خصومة، فقال له الحاج عثمان: سر بنا إلى القاضي عبد الله، فقال اللص: لا، لأنا إذا أتيناه يخرج القاضي من داره ويراه سيدي عثمان ويخرج من داره ويجلس حذاءه فيطير عقلي ولا أدري ما أقول، فغلبه الحاج عثمان. فلما مشيا من عند القاضي قال له: والله لا أرضى بذلك لأن عقلي طاش ولم أدر ما أقول، فترافعا إلى الحاج أبي بكر بن الحاج عيسى، فقال الحاج عثمان: وكان يؤذي فسّاق المغافرة وهم سكوت لا يتكلمون ولا يردون إليه الجواب مهابة له وخوفا. ولقد صدق قول القائل:
ومن يخاف الله خوفا مؤلما ... أخاف منه كلّ شيء فاعلما
ومن دخل حرمه لا يخاف، فكانت البوادي أهل الجنوب إذا صالت عليهم إيفلان يدخلون عليه في ولاته بمواشيهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم فلا يتعرض لهم، وكان الجاني إذا دخل داره أمن ما دام فيها، وخبره في ذلك كثير لا نطيل به.
وكان أعظم أهل زمانه مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم وأمشاهم في حوائج الناس، وكان قائما بأمور المسجد وإصلاحه إذا هدم منه شيء، وقد زاد فيه الصفين الذين يمينه وشماله، قائما بالمهمات في بلده من دفع المضار واللصوص والظلمة، ويكتب إلى الملوك ورؤوس الظلمة في أمور الخاصة والعامة، وكلامه يقع في قلوبهم موقعا لحسن نيته وحبه الخير