أورع منه قط. وكانت عبادته كلها خفية. وقال صلى الله عليه وسلم: من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها. وقال تعالى:{سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}.
ولله درّ من قال.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... ولو خالها تخفى على النّاس تعلم
وكان يخفي أمره عن كل حاف ومنتعل، ولا يذكر منه إلا ما أتى منه بغتة، كما حدثني به بعضهم أنه كان عنده ذات يوم أو ليلة، إذ ذكر عنده بعض أصحابه، فجعل يمدحه ويذم نفسه إلى أن قال: إنه أهم بشيء يأتيه وإنما كلما سألته أو أتيته (كذا) وكان يقول في بداية كل أمر خير:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان لا يحب من الطعام والشراب إلا اللبن، لأنه صلى الله عليه وسلم اختار الفطرة. وكان كثير التبارك، حدثني بعض أصحابه أنه كان يقرأ معه ليلة عند النار إذا بعود من القضا، فتعجب من صحة العود، فقال الشيخ ما شاء الله لا قوة إلا بالله، قال له في ذلك، فقال أخاف أن يطير من العود شيء فيضر أحدنا. وكان إذا كتب ورقة نظرها وقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وهذا كله في حالة شيخوخته، فما ظنك بحالة شبابه.
وحاصل ما ذكرت عن بعض بعض البعض من مناقبه لا يبلغ نصف الساق مما لم أذكره، وبالله تعالى التوفيق. ولد عام أربعين ومائة ألف، وتوفي يوم الأحد لسبع ليال بقين من ذي الحجة، عام تسعة عشر ومائتين وألف، غفر الله له ونور ضريحه، وجعل الرحيق المختوم شرابه. وقد كنت قلت عليه قطعة، وهي هذه، والضمير في كنت وقلت لصاحب الترجمة الشيخ ابن الطالب الصغير فقال:
ألا عم ضريحا أيّها الذاهب الحبر ... ويا من به تزهي النخيل وتثمر
دعاك إله الخلق للخير كلّه ... فيا سعد من بقرب قبرك يقبر