ذمي؟ قال له اليهودي: أريد أن أقول لك شيئا. فلما أراد اليهودي الدخول إلى البيت، قال الشيخ له: إليك إليك! لا تدخل! فخرج إليه الشيخ مسرعا خيفة أن يدخل، فأجلسه في قدم الطريق، قيل له في ذلك، قال غرضي أن يؤذوه الناس بمرورهم لعلهم يطؤون ثيابه ويمزقوها. فلما اطمأنّ اليهودي في الأرض، كشف له عن هدية كبيرة.
فلما رآها الشيخ قال: لا أقبل هديتك. قال اليهودي: أريد بها وجه الله، قال: لا أقبلها لأن القلوب جلبت على حب من أحسن إليها، وأحذر على نفسي من أن تحب عدوا لله ورسوله، فذهب اليهودي منكسر الرأس خائبا لا يساوي نقيرا ولا قطميرا. وكان كثير الورع، وكان يحب أبناء النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذ يعدّ نعم الله عدّ من أعظمهم (كذا) عنده مجاورته لأبناء النبي صلى الله عليه وسلم. وكان إذا أخذ يد أحدهم يطأطئ لها ليقبلها مرة بعد مرة حتى لا يكاد يرسلها. ومن ذلك رأيته في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله تعالى دخل عليه شريف من جاره، فلما رآه وهو حينئذ منع من الكلام، وأظن أنه في الاحتضار، أراد أن يقوم فلم يقدر، فأشار إلى الشريف أن يعطيه يده فأخذها وهو يرتعد من شدة ما هو فيه، فلم يزل يقبلها حتى عجز.
وكان كثير الورع كثير الحياء دائم الفكرة. ومن دعائه لنا إذا طلب أحدنا منه الدعاء: رزقك الله العلم والتقى. وكان يعبر الأحلام تعبيرا لا يتخلف في الغالب. وكان شيخا في السر والعلانية، يعطي ورد شيخنا وسيدنا مولاي عبد المالك بن مولاي عبد الله الركاني. وكان نابذا للدنيا وراء ظهره كما قدمنا، لأنه كان ما يأخذ منها إلاّ ما يجعله في الكتب. حدثني بعض التلاميذ أنه قد جاءه رجل من عشيرته يوما فأخبره بناقة له في البادية أصابها من الزكاة، فجعل الرجل يشتريها، فأعطاه ثمنا قليلا بخسا في الناقة، وهي حينئذ لا يؤخذ مثلها إلا بكثير من المال، فرضي الشيخ. قال له تلميذه ألم تعلم أن مثلها ثمنه كذا وكذا؟ قال الشيخ: يا بني! قال صلى الله عليه وسلم:
عليك بالسّوم الأوّل الحديث. وكان يهدي له من لا يعرف في أي جهة ما هو وما نسبه. نعم كررت الورع لأنه سيد العمل، وإني ما رأيت أحدا