يفعل إلا ما قال. وكان يدخل السرور على المذنبين ويدعو في كل ساعة وحين، وكان إذا حبس الممطر وذهب الناس لصلاة الاستسقاء، سمعته يوما يقول: لن تزالوا بخير ما دمتم على بعض سنته صلى الله عليه وسلم. حدثني بعض التلاميذ أنه كان ينام معه شهورا فقال: ينام أول الليل ويستيقظ جوفه، ومن ثم لا ينام إلى الصبح. فقال لي: قمت ليلة فوجدته مضطجعا في لحافه أحسب أنه نائم، فلما أصغيت سمعي له سمعته يذكر الله بقلب حزين مع التدبر، وكان فعله ديمة، لأنه يقرأ كل يوم من القرآن ربع حزب ثلاث مرات الأولى في مصحف. صحيح، والثانية في مصحف مهبط (٤)، والثالثة يقرؤه في رأسه. وكان لا تاخذه في الله لومة لائم، وإذا عزم توكل، وإذا حدّث صدق، وإذا عاهد وفى، وإذا غضب عفا، وإذا خاطبة الجاهل قال سلاما. وممن قال الله تعالى فيهم في كتابه العزيز {وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً} الآيات. وكان ورعا يبغض أعداء الله ويحب أولياءه، وقد قص قصته مع اليهوديين اللذين أتيا مع الشريف مولاي الحسن بن مولاي عبد القادر إمامي، وهي أنه لما رأى اليهوديين أبغضهما حق البغض، وأتى الشريف المذكور فقال له: خذ العشر من صاحبي الشيطان الذي عندك! قال إنهما ضيفاي، فقال له الشيخ: إن لم تأخذه منهما أغريت عليهما أحدا من المغافرة، فأقول له إنه أحلّ عليك من لبن أمك. فقبل الشريف أن يأخذه بنفسه، ولكن قال للشيخ: أحضرني لآخذ منهما ما قلت، قال الشيخ: نعم وأحل، والله ما أحب علي منهما شيء. فلما كان الغد أتى الشيخ ومعه رجلان من عشيرته، فعشّروا مال اليهوديين كلّه، فأعطوا عشره للشريف. فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أتى أحد اليهوديين للشيخ بجزية، فلما بلغ الدار أرسل إلى الشيخ رسولا فأتاه الشيخ يحسب أنه غيره. فلما رآه عبس في وجهه، قال: ما أتى بك يا
(٤) لعله يقصد الهبطي إمام القراء وهو صاحب وقف القرآن.