أهدى له رجل بقرة فأتاه بعد ذلك يكتب له حكما في خصومة أو مثلها، فقال له الشيخ: أنت أحسنت إلي، ولكن إن كنت تريد بإحسانك إلي شغلي عما هو أنفع لي من هذا، فخذ بقرتك عني. وكان يحب أشياخه جميعا ويعظمهم ويمدحهم إذا ذكر عنده أحد من أهل الكرامات يقول هو:
حسبي بشيخي فلان. وكانت التلاميذ إذا أرادوا أن يشغلوه عن تفسير أحدهم، سأله أحدهم بصوت خفي فيبلغه التلاميذ بقولهم، قال فلان أحقا أن شيخك فلانا يعرف بعض الفن الفلاني، فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، ويضع الورقات من يده، وتارة يعطيهن لأحد، فيلتفت مسرعا يقول: من هذا؟ ما أحمقه! فإن شيخي فلانا يعرف كذا وكذا، وجعل يمدحه حتى يمكث ساعة من النهار. ومن ورعه كان لا يفسر إلا في الكتاب. وكان ذات يوم يفسر لأحد التلاميذ فسأله عن كلمة فلم يجاوبه، فسأله أيضا وهو ينظر الكتاب، ثم أعاد السؤال، قال الشيخ: دعني لم أرها في كتاب. وكان ذا جاه مهابا مطاعا. كان إذا خرج من المسجد لا يمر بقوم إلا قاموا بوجهه ليضعوا أيديهم على رأسه. وكان لا يصلي في المسجد إلا الظهر والعصر والعشاء لأن المغرب والصبح كثيرا ما تخلف فيهما الناس. وكان يؤذن، وأذانه هو آخر الأذان. قيل له في ذلك، قال غرضي من كان عازما على الصلاة في المسجد، إذا سمع أذاني علم أن الصلاة حانت فينهض مسرعا. وكان كثير الورع والإعراض عن الدنيا، لأنه كان لا يدخر شيئا لغد، وتأتيه الهدايا من كل جهة فيستريح منها حين إتيانها ولا يلتفت إليها. وكانت همته الكتب وكان منظرا لها، حتى حكى أنه كان يوما مع أصحابه يتحدثون إلى أن بلغوا نعيم، فكلهم قال منيتي كذا وكذا، فقال هو منيتي كثير من الكتب، فأكون بينهم تارة أنظر وتارة أقرا. وكان ورعا جميل الخلق، فقد أخذ من خلقه صلى الله عليه وسلم، دائم البشر متواصل الأحزان، وكان كثير الصمت مستعملا قوله تعالى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} الآية. وكان مطاعا إذا أمر بشيء لا