لهم من حسن خلقه الذي خصه الله به عن أهل زمانه، ويدعو الناس بأحب أسمائهم إليهم، ولا يدعو ذا لقب قبيح بلقبه، ولا يدعو على ظالم إلا أن يكون ضارّا للمسلمين فحينئذ يدعو عليه. وخطه من أحسن الخط وأبدعه، وانتفع الناس بكتبه، وأهل بلده يحبونه كلهم ومتوافقون على فضله ويمدحونه، بل كل من يعرفه أو سمعه، وبذلك جرت عادة الله تعالى مع عبادة المتقين. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}. وقال بعض العلماء لمالك: إتق الله يحبك الناس وإن كرهوا. ويأتيه الناس يتبركون به عند كل صلاة ويسألونه أن يدعو لهم. وكان رحمه الله تعالى أبا لليتامى والضعفاء والمساكين والأرامل والغرباء شديد الرحمة والرأفة بهم. وكان قائما بأمور المسجد حتى قال بعض الناس يوم وفاته: اليوم تيتم المسجد. كثير القيام بالسنة، ولقد رأيته يوما خسفت الشمس وأرسل للناس يأتون للصلاة، فاعتذروا ولم يأته أحد فمضى وحده نحو المسجد يريد أن يصليها ومشيت معه، فلما دخلنا المسجد انجلت الشمس. ورأيته يخرج لصلاة الاستسقاء في بعض المرات ما معه إلاّ نحو رجلين أو ثلاثة، ويمر بالجماعة الكثيرة ويدعوها للصلاة فلا يقوم معه أحد، وربما قام معه واحد أو اثنان. ولم يقل من الشعر إلا نحو قصيدتين اتباعا للسنة، ولما قال ابن أبي زيد في الرسالة:
ولا ينبغي أن يكثر منه ومن الشغل به. وكان أول دهره يصلي صلاة التراويح في بيته، حتى رآها ضعفت في المسجد فداوم عليها حتى قبضه الله تعالى. وكان لا يحضر مجلس الحديث حتى رأى قلة الجماعة لما مات بعض الأشياخ الذين كانوا يحضرونه، فداوم عليه حتى توفي رحمه الله تعالى. ويكره قراءة الجماعة للقرآن على الميت، ويكره طابة والشم أشد الكره. وقال يوما لبعض تلاميذه لما رآه يشم: إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها. وكان مشتغلا بما يعنيه وتاركا لما لا يعنيه، فلم ير قط جالسا في المجالس، ولا في الطرق إلا إذا أراد أن يقول لأحد كلاما