في تحصيله، فإذ بان له فيه نهي كان أبعد الناس منه، فيكون منه مناط الثريا. قال بعض العلماء - رحمه الله تعالى -: ترك المنهيات [أشد من فعل الطاعات، فالطاعات يقدر عليها كل أحد، وترك المنهيات](١) لا يقدر عليه إلاّ الصديقون. وكان مظهرا لنعم الله تعالى عليه، يلبس الملابس الحسنة الفاخرة، يأكل الطيبات من الحلال، ويقول: نحن دخلنا من الباب الواسع لا من الباب الضيق.
كان - رحمه الله تعالى - سخيا من الأسخياء، نجيبا من النجباء، وتقيا من الأتقياء، مشهورا بالفضل والصلاح وحسن الخلق والسخاء، عارفا بالسياسة بصيرا بأحوال الناس ينزل الناس منازلهم، حتى صار الناس كلهم سواء في محبته. له كرامات عديدة، ومفاخر مجيدة.
فمن كراماته - رحمه الله تعالى - طي الأرض له، كما شاهده من سافر معه، فشهد أهل الخبرة بالطريق يقولون الموضع الفلاني لا نأتيه إلا غدا، إن شاء الله، فما يتم اليوم حتى يقولوا ذلك الموضع خلفناه وراءنا.
والسحابة تمطر وراءهم وأمامهم ولا يصيبهم من المطر شيء، فكان أعجوبة زمانه في الكرامات وخرق العادات.
ومنها كلامه على الخواطر والضمائر، فلقد هم بعض إخوانه لما خاف من أمره أنه لا يصله إذا أتى أهله إلا بعد سبعة أيام حذرا من تغييره، وصور ذلك في نفسه وهو يسايره في الطريق، فقال له: الله أكبر، إذا أتى فلان أهله جلس في بيته ولا يصل إلينا نحن، فتعجب منه وعزم على أن لا يقطع زيارته بعدها.
ومنها تسخير الخلق له وانقيادهم، فترى الرجل البخيل يعطيه نفائس أمواله ويهديها له ويوده بها عن طيب نفس منه، والناس يعطونه في كل ما أمرهم، به، سواء كان بذل مال أو عمل أو خدمة، ويأتونه كل وقت