الاحتساب عالمًا بما يحتسب فيه، وأن يأمن أن يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكبر منه مثل أن ينهى عن شرب خمر فيؤول نهيه إلى قتل نفس، وأن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف نافع، وفقد هذا الشرط الأخير يسقط الوجوب فيبقى الجواز والندب، وفقد ما قبله يسقط الجواز. واختلف هل يجوز للفاسق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا؟ وأما المحتسب عليه فكل إنسان سواء كان مكلفًا أو غير مكلف. وأما المحتسب فيه فله شروط: وهي أن يكون منكرًا لا شك فيه، فلا يحتسب فيما هو في محل الاجتهاد والخلاف، وأن يكون موجودًا في الحال، فلا يحتسب فيما مضى لكن يقيم فيه
الحدود أهل الأمر، ولا فيما يستقبل إلا بالوعظ، وأن يكون معلومًا بغير تجسس، فكل من ستر على نفسه وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه. وأما الاحتساب فله مراتب: أعلاها التغيير باليد، فإن لم يقدر على ذلك انتقل إلى اللسان، فإن لم يقدر على ذلك أو خاف عاقبته انتقل إلى الثالثة وهي التغيير بالقلب، ولتغيير اللسان مراتب: وهي النهي والوعظ برفق وذلك أولى ثم التعنيف ثم التشديد اهـ.
قال رحمه الله تعالى:(ويلزم نفسه ترك الغيبة والنميمة)، يعني وجب على الشخص المكلف إلزام نفسه عن ترك الغيبة والنميمة؛ لأنهما خصلتان محرمتان إجماعًا، وحقيقة الغيبة هي ذكرك أخاك في غيبته بما يكره، إن كان فيه ما ذكرت فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما ذكرته فقد بهته كما في الحديث. قال العلامة عبد اللطيف المرداس في عمدة البيان: وقوله: أي مما يحرم على المكلف الغيبة وهي أن يذكر في الإنسان ما يكره أن لو سمعه إن كان ما يكره موجودًا فيه فإن لم يكن موجودًا فهو البهتان إلى أن قال: والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((هل تدرون ما الغيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره، فإن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه