واسطة في تبليغ الرسالة إلى الأمم، وكذلك العلماء واسطة في بيان الأحكام والإرشاد، وراثة من الأنبياء لم يورثوا من الأنبياء. قال عليه الصلاة والسلام:" العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " رواه أبو داود والترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام:" نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم:" من دل على خير فله مثل أجر فاعله " ولا شك أن من حفظ شيئا من أمر الدين وبلغه على أخيه المسلم فقد فاز بحظ وافر وأجر عظيم ونضارة؛ لدخوله في دعائه عليه السلام.
وقد قام العلماء والفقهاء من أهل السنة بتلك الوظيفة الفائقة بالتبيان والتبليغ والهداية والإرشاد على من دونهم من العوام والجهال، وعلموا وتعلموا حتى صار
الجاهل العامي عالما لاقتباسه العلم من علماء السنة، فهكذا إلى أن عم الآفاق نور العلم والإسلام بواسطة العلماء الراشدين المرشدين المهديين.
هذا معنى قول المصنف جاعل العلماء واسطة في بيان الأحكام، والله أعلم.
ثم قال رحمه الله:" فارقين بما علمهم بين الحلال والحرام " أي حال كونهم فارقين مميزين بين الحلال والحرام وغيرهما من الشبهات.
وقال بعضهم: والعلم النافع هو علم الشريعة والحقيقة المأثور الذي نقله كابر عن كابر وخلف عن سلف، وهو الخبر المرسوم في الكتب، المستودع في الصحف، الذي يسمعه من غبر عمن قدم.
فهذا علم الأحكام والفتيا، وعلم الإسلام والإيمان والقضايا طريقة السمع، ومفتاحه الاستدلال، وخزانته العقل، وهو مدون في الكتب ومحبر في الورق، يتلقاه الصغير عن الكبير بالألسنة، وهو باق ببقاء الإسلام، وموجود بوجود المسلمين؛ لأنه حجة الله تعالى على عباده، ومحجة العموم من خلقه، فضمن إظهاره، فلم يكن ليظهره إلا بحملة تظهره، ونقله تحمله فهذا هو العلم الذي يميز به بين الحلال والحرام، فمن ناله