في سائر الأقطار، وضربت له أكباد الإبل، وارتحل إليه الناس أفواجا من كل مصر وأتوه من كل قطر ومن كل فج عميق. فجلس لتدريس العلوم وهو ابن سبع عشرة سنة وأشياخه متوافرون، فمتع الله المسلمين بطول حياته فعاش قريبا من تسعين سنة وهو يدرس ويفتي، وشهد له التابعون بالفقه والحديث وجودة الفهم، واحتاج إليه معلموه ومشايخه وجلسوا في دروسه وسألوه عن أمر دينهم، وألف كتابه الموطأ وغيره من تآليفه، واستقبله الناس بالقبول والتسليم، وانتفع الناس بأفعاله وأقواله، وانتشرت علومه ومذهبه شرقا وغربا، فصار قدوة في الدين وإماما في السنة اهـ.
وقال العلامة الشيخ أحمد تيمور رحمه الله في رسالته: أما المذهب المالكي فهو منسوب إلى إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي، رضي الله عنه، المولود سنة ٩٣ هجرية، والمتوفى بالمدينة سنة ١٧٩.
وهو ثاني الأربعة في القدم. ويقال لأصحابه أهل الحديث. وقد نشأ المذهب بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ثم انتشر في الحجاز، وغلب عليه وعلى البصرة ومصر وما والاها من بلاد إفريقية والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى إلى بلاد السودان وظهر ببغداد ظهورا كثيرا، ثم ضعف فيها بعد القرن الرابع اهـ.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل ينقص مالكا فاعلم انه مبتدع قال أبو داود: وأخشى عليه من البدعة. وقال ابن مهدي: إذا رأيت الحجازي يحب مالكا فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت أحدا يتناوله فاعلم أنه على خلاف ذلك اهـ.
وقال الحطاب: ومن طالع مناقب الأئمة الأربعة عرف علو مرتبتهم، ووجوب تقديمهم على غيرهم، ولزوم الاقتداء بهم، وترجح عنده أحدهم على ما يتعرف من مراتبهم، ويرى مع ذلك أن مالكا أعلاهم وأسناهم، ألا ترى أن الشافعي تلميذه، وأحمد