بالاختيار والإرادة. ولكن رجح الشرع إحدى الجهتين في الإبتداء: محافظة على القاعدة الكلية، ولا يلزم طرد ذلك في الاحتذاء والاقتصاص؛ مع انتفاء الحاجة التي نهبنا عليها.
فإن قيل: فإذا عفى عن أحد الشريكين ينبغي أن يسقط عن الآخر، لأن الفعل -في نفسه- صار معفوًا عنه. ولو جرح جراحتين، [فعفى عن إحداهما] سقط القصاص [به] وقد عفى عن بعض فعله؛ فإن فعل الشريك مضاف إليه على هذا التقدير.
قلنا: العفو عن الشريك: بإسقاط القصاص عنه؛ ولا يتأثر الفعل به. ولفعله وجهان: وجه إلى الفاعل، ووجه إلى الشريك. فالعفو لاقاه من الوجه المتعلق بالفاعل، لا من الوجه المتعلق بالشريك. فنزل ذلك منزلة موت أحد الشريكين وتعذر القصاص بسببه.
فهذا وجه التردد على هذه القضايا الدقيقة. ولا يطمعن المتساهل على الوقوف عليها بمبادئ النظر، ولا يظن المتكاسل الناظر إلى هذه الخفايا -من بعد- بمؤخر عينيه، ما يتراءى له -من ضعف هذه المعاني- صادرا إلا عن كلالة بصيرته، وكدورة قريحته. فلا إحاطة بهذه المغاصات إلا بجد واف وذهن صاف، وقلب مشحون بإنصاف.