وسأتحدث فيها بإِيجاز غير مخل عن الظاهرة السياسية والعلمية والاجتماعية في العصر والمكان الذي عاش فيه الونشريسي، باعتبار أن الحديث عن ذلك حديث عن عامل من العوامل التي أثرت في تكوينه العلمي، فأقول وبالله التوفيق:
الحديث عن عصر الونشريسي يستدعي الحديث عن الحالة في الجزائر والحالة في المغرب في القرن التاسع وبداية العاشر الهجري؛ ذلك لأن صاحبنا قد عاش من عمره فترة في تلمسان إحدى مدن القطر الجزائري، والفترة الأخرى في مدينة فاس من مدن المغرب الأقصى.
ومن غريب الأقدار أن يمضي المؤلف نصف عمره الطويل في تلمسان، والنصف الآخر في فاس (١).
[الحالة السياسية في المغربين الأوسط والأقصى (الجزائر والمغرب)]
لا نريد أن نتوسع في الكلام على الحالة السياسية في الجزائر إذ محل ذلك كتب التاريخ، وإنما نحن ذاكرون إن شاء الله ما لا بد منه لمعرفة البيئة والتيارات التي كان لها الأثر -ولا شك- على تحصيله وسيرته ورحلته عن بلاده. وذلك أولًا لأن أصحاب تراجمه لم يتعرضوا لتأثير الجو السياسي عليه إلا لمامًا، رغم شهرته ومكانته، وثانيًا، لأن ما كتبه هؤلاء نقله بالكامل تقريبًا من تعرض لدراسة هذا
(١) عاش حوالي أربعين سنة (٨٣٤ - ٨٧٤) في الجزاثر (ونشريس وتلمسان) وأربعين أخرى في فاس (٨٧٤ - ٩١٤ هـ).