للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الوقت، وقالوا فيمن ذهب لغسل دم الرعاف فظن فراغ الإِمام في غير الجمعة فأتم مكانه، ثم أخطأ ظنه أنه لا إعادة عليه، مع أنه قد تبين خطأ كل من الاجتهادين (١)؛ لأن الذي (٢) تبين له الخطأ في القبلة إذا أعادها يعيدها على وجه أتم من الأول وأكمل، ولا كذلك من أخطأ ظنه في فراغ الإِمام؛ لأنه (٣) لا يمكن أن يأتي بها على وجه أكمل من الأول لفراغ الإِمام.

٤٣ - وإنما فر الشيطان من الأذان، ولم يفر من الصلاة (٤)، مع أن الصلاة (٥) أعظم؛ لأن الأذان بمثابة دعاء الملك لخاصته لحضور ميزه (٦)، وإذا دعا الداعي تميزت خاصة الملك من غيرهم. وأيضًا فراره من الأذان لئلا يشهد به للمؤذن؛ إذ لايسمعه شيء إلا شهد له يوم القيامة (٧)، وكأنه من فرط حسده يروغ (٨) عن الشهادة له، وإن علم أنه مستغن عنها، كما ترى الحسود يتلكأ (٩) في الشهادة لمن حسده بفضيلة أوحق، وإن كان في غنى عن شهادته لقيام غيره بها. وأيضًا المؤذن داع إلى الخير والشيطان داع إلى الشر، فالضدان لا يجتمعان، وهو (١٠) مليح رشيق. وأما تخصيص الأذان بالشهادة له فيمكن أن يقال إن ذلك لأنه دعاء إلى الله تعالى وإقامة حجته على عباده، فاحتيج إلى الشهادة على التبليغ، كما احتيج إليها للفصل بين المتحاكمين، فهذه الشهادة


(١) في (ح) المجتهدين.
(٢) (ح) قد تبين.
(٣) في سائر النسخ: لم يكن، والمثبت من (ح).
(٤) أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ للبخاري "أن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإِذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب للصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: أذكر كذا أذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى "انظر فتح الباري ٢/ ٦٩ والنووي على مسلم ٤/ ٩١.
(٥) (ح) شأن الصلاة.
(٦) (ح) عيده، والذي في المعيار ١/ ١٧٨ سره.
(٧) جاء في البخاري "فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة".
انظر فتح الباري ٢/ ٧٢، ٧٣ والموطأ ٧٦.
(٨) راغ يروغ يذهب يمنة ويسرة في سرعة خديعة، فهو لا يستقر في جهة. انظر المصباح مادة روغ.
(٩) تلكأ عليه: اعتل، وهو المراد هنا. انظر القاموس مادة لكأ.
(١٠) في المعيار: وهذا.

<<  <   >  >>