عن محو الذنوب أو عن عدم وقوعها والثاني ظاهر، وعلى الأول يكون دعاؤه بها مع كونه معصومًا، إنما هو تعليم لنا كيف ندعو بها إذا علمناها، أو أن ذلك منه إظهار للعبودية أو أنه دعاء لأمته.
وقال القرطبي: إن ذلك من باب المبالغة في طلب السلامة والبراءة من الذنوب، وبكل تقدير ففيه مجازان: مجاز في استعمال البعد الذي هو من عوارض الأمكنة والأزمنة في المعاني، ومجاز في استعمال المباعدة في الإِزالة بالكلية وفي الانتفاء الكلي كما في قوله تعالى:{تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}.
إذ المراد التبري منه بالكلية، وكذا القول في المباعدة والنقاء والغسل، إذ كل منها وإن كان كافيًا في المقصود لكن جمع بينها تأكيدًا ومبالغة كما في قوله تعالى:{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} والمراد الارتقاء إلى أرفع الدرجات في السلامة من الخطايا، فلذلك طلب أولًا ما يليق بالعبودية وهو المباعدة ثم ترتقي فطلب التنقية ثم طلب ما هو الأبلغ وهو الغسل، ولهذا أكده أيضًا بقوله بالماء والثلج والبرد، والسر في في ذكرهما مع فرط بردهما، وكذا وصف الماء بالبارد في رواية، مع أن السخن أذهب للوسخ من البارد أن الذنب نار محرقة باعتبار ألم قلب المؤمن في الدنيا وحرارته منه، أو أنه موجب لها فناسب طفي ذلك بالبارد، وخطايا جمع خطئة، وفي أصله خلاف بين الخليل وسيبويه بينته في شرح الشافية والخطئة فعيلة من الخطئ بكسر أوله وهو الإِثم. قال تعالى:{إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} تقول: خطئ بالكسر يخطأ خطئًا وخطئة بوزن فعلة.