للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (١)، فذكر اشتراك جميع الناس في الأصل، وأمرهم بتقوى الله الذي {به} (٢) يتعاقدون ويتعاهدون؛ فإن كل واحدٍ من المتعاقدين يطلب من الآخر ما قصده بالعقد، وهو بالله يعقده؛ إذ قد جعلوا الله عليهم كفيلا، وبصلة الأرحام التي خلقها الله -سبحانه وتعالى- كما جمع بينهما في قوله -عَزَّ وَجَلَّ -: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (٣)، وفي قوله -عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} (٤).

(ق ١٨ - أ) وأما "سورة المائدة" فإنَّها سورة العقود -وهي العهود والمواثيق- التي يعقدها بنو آدم بينهم وبين ربهم، ويعقدها بعضهم لبعضٍ، مثل عقد الإيمان وعقد الأيمان، فأمر الله بالوفاء بالعهود، والوفاء بالعهود من صفات الصادقين دون الكاذبين، وختم السورة بما يناسب ما فيها فقال: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (٥) الآية، فالموفون بالعقود صادقون؛ فنفعهم الصدق بالوفاء يوم القيامة بما وعدهم من الكرامة، ثم تكلم سبحانه وتعالى على الوفاء بالعهد.

وقال: وهذه سورة "المائدة" للمؤمنين أمرهم فيها بالوفاء بالعقود، وذكَّرهم فيها بنعمته، كما قال تعالى لبني إسرائيل: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي


(١) سورة النساء، الآية: ١.
(٢) ليست في "الأصل".
(٣) سورة الرعد، الآيتان: ٢٠، ٢١.
(٤) سورة البقرة، الآيتان: ٢٦، ٢٧.
(٥) سورة المائدة، الآية: ١١٩.

<<  <   >  >>